الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ }

يقول تعالـى ذكره: لله من خـلقه الدعوة الـحق، والدعوة هي الـحقّ كما أضيفت الدار إلـى الآخرة فـي قوله: { وَلَدَارُ الآخِرَةِ } وقد بـيَّنا ذلك فـيـما مضى. وإنـما عنى بـالدعوة الـحقّ: توحيد الله، وشهادة أن لا إله إلاَّ الله. وبنـحو الذي قلنا أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: { دَعْوَةُ الـحَقّ } قال: لا إله إلاَّ الله. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { لَه دَعْوَةُ الـحَقّ } قال: شهادة لا إله إلاَّ الله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن هاشم، قال: ثنا سيف، عن أبـي رَوْق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ رضي الله عنه: { لَه دَعْوَةُ الـحَقّ } قال: التوحيد. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { لَهُ دَعْوَةُ الـحَقّ } قال: لا إله إلاَّ الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس، فـي قوله: { لَه دَعْوَةُ الـحَقّ } قال: لا إله إلاَّ الله. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { لَهُ دَعْوَةُ الـحَقّ }: لا إله إلاَّ الله لـيست تنبغي لأحد غيره، لا ينبغي أن يقال: فلان إله بنـي فلان. وقوله: { والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } يقول تعالـى ذكره: والآلهة التـي يدعوها الـمشركون أربـابـاً وآلهة. وقوله { مِنْ دُونِهِ } يقول: من دون الله وإنـما عنى بقوله: { مِنْ دُونِهِ } الآلهة أنها مقصرة عنه، وأنها لا تكون إلهاً، ولا يجوز أن يكون إلها إلاَّ الله الواحد القهار ومنه قول الشاعر:
أتُوعِدُنِـي وَرَاءَ بَنِـي رِياحٍ   كَذَبْتَ لَتَقُصُرَّنَ يَداكَ دُونِـي
يعنـي: لتقصرن يداك عنـي. وقوله: { لا يَسْتَـجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ } يقول: لا تـجيب هذه الآلهة التـي يدعوها هؤلاء الـمشركون آلهة بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرّ. { إلاَّ كبـاسطِ كَفَّـيْهِ إلـى الـماءِ } يقول: لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إياها إلاَّ كما ينفع بـاسطَ كفـيه إلـى الـماء، بسطُه إياهما إلـيه من غير أن يرفعه إلـيه فـي إناء، ولكن لـيرتفع إلـيه بدعائه إياه وإشارته إلـيه وقبضه علـيه. والعرب تضرب لـمن سعى فـيـما لا يدركه مثلاً بـالقابض علـى الـماء. قال بعضهم:
فإنّـي وَإيَّاكُمْ وَشَوْقاً إلَـيْكُمُ   كقابِضِ ماءٍ لَـمْ تَسِقْه أنامِلُهْ
يعنـي بذلك: أنه لـيس فـي يده من ذلك إلاَّ كما فـي يد القابض علـى الـماء، لأن القابض علـى الـماء لا شيء فـي يده. وقال آخر:
فأصْبَحْتُ مـمَّا كانَ بَـيْنِـي وبَيْنَها   مِنَ الوُدّ مِثْلَ القابِضِ المَاءَ باليَدِ
وبنحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا سيف، عن أبـي روق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ رضي الله عنه، فـي قوله: { إلاَّ كبَـاسِطِ كَفَّـيْهِ إلـى الـمَاءِ لِـيَبْلُغَ فـاهُ وَما هُوَ بِبـالِغِهِ } قال: كالرجل العطشان يـمدّ يده إلـى البئر لـيرتفع الـماء إلـيه وما هو ببـالغه.

السابقالتالي
2 3