قوله: { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا... }. الآية. فالآية تنقض على من يسْتثنى في إيمانه؛ لأَنه أَمرهم أَن يقولوا قولاً باتّاً، لا ثُنْيا فيه ولا شك. وكذلك قوله: { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ }. ثم يحتمل: أن يكون هذا ردّاً على أُولئك الكفرة، حيث فرقوا بين الرسل، آمنوا ببعضهم وكفروا ببعض. وكذلك آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعضها؛ فأَمر الله - عز وجل - المؤمنين، ودعاهم: إلى أن يؤمنوا بالرسل كلهم، والكتب جميعاً، لا يفرقون بين أَحد منهم، كما فرق أُولئك الكفرة. ويحتمل: أَن يكون ابتداء تعليم الإيمان من الله - عز وجل - لهم بما ذكر من الجملة. ثم اختلف في الحنيف. قيل: الحنيف: المسلم. وقيل: الحنيف: الحجاج. وقيل: كل حنيف ذكر بعده مسلم فهو الحجاج، وكل حنيف لم يذكر بعده مسلم فهو مسلم. وقيل: الحنيف: المائل إلى الحق والإسلام. وقوله: { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ }. روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا تقرأ { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ }؛ فإِن الله ليس له مثل، ولكن اقرأ: { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ } ، أو { بمَآ آمَنْتُمْ بِهِ }. وكذلك في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { فَإِنْ آمَنُواْ بمَآ آمَنْتُمْ بِهِ } ، تصديقاً لذلك. وعلى ذلك قوله:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] إِن الكاف زائدة، أَي: ليس مثله شيء. وهو في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - كذلك. ويحتمل: آمنوا بلسانهم، بمثل ما آمنتم بلسانكم، من الرسله والكتب جميعاً فقد اهتدوا. ويحتمل بمثل ما آمنتم به: أَي بلسانٍ غير لسانهم فقد اهتدوا. وقوله: { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ }. قيل: الشقاق هو الخلاف. وقيل: الشقاق هو الخلاف الذي فيه العداوة، والله أعلم. وقوله: { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }. هذا وعيد من الله - عز وجل - لهم، ووَعْدٌ وَعَدَ نَبيَّه بالصبر له؛ لأَن أُولئك كانوا يتناصرون بتناصر بعضهم ببعض، فوَعَد له عز وجل النصر له بقتل بعضهم، وإجلاء آخرين إلى الشام وغيره. وقوله: { صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً }. قيل: دين الله. وقيل: فطرةُ الله؛ كقوله: " كل مولود يولد على الفطرة ". وقيل: { صِبْغَةَ ٱللَّهِ }: حجة الله التي أقامها على أُولئك. وقيل: { صِبْغَةَ ٱللَّهِ }: سنة الله. ثم يرجع قوله: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } أي: ديناً [وسنة] وحجة تدرك بالدلائل التي نصبها وأَقامها فيه، ليس كدين أُولئك الذين أَسسوا على الحيْرة والغفلة بلا حجة ولا دليل. وقيل: إن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في ماءٍ ليطهروهم بذلك؛ فقال الله عز وجل: { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } يعني الإسلام هو الذي يطهرهم لا الماء. وقوله: { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }. قيل: موحدون. وقيل: مسلمون مخلصون. ويحتمل: ونحن عبيده.