قوله عز وجل: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ } نزلت في ربا الجاهلية، وكان الرجل يقول لصاحبه: أخِّر عني دَيْنك وأزيدك في المال، فيستوعب بالشيء الطفيف المال الكثير. { أَضْعَٰفاً } حال، { مُّضَٰعَفَةً } نعت لـ " أضعافاً ". وفي قوله: { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } تهديد شديد للمؤمنين الذين يأكلون الربا، حيث خوَّفهم بالنار، التي أعدَّها لمن كفر به. قال أبو حنيفة: هذه أخوفُ آية في القرآن. وفي الآية رَدٌّ على الجهمية في قولهم: إن النار لم تُخْلق بعد. { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } في ترك ما نهيتم عنه من أكل الربا وغيره، وامتثال ما أمرتم به من التقوى { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، فتفوزوا بدخول الجنة والنجاة من النار المُعَدَّة للكفار. قوله: { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } قرأ نافع وابن عامر: " سارعوا " بغير واو، وكذا هي في مصاحف أهل المدينة والشام، وقرأ الباقون بالواو. قال أبو علي: من قرأ بالواو عَطَفَ " وسارعوا " على " وأطيعوا " ، ومن حذفها فلأنَّ الجملة الثانية ملتبسة بالأولى، فاستغنت عن العطف. ومعنى الآية: بادروا إلى موجبات المغفرة وهي طاعة الله تعالى. وقال ابن عباس: لا تصروا على الذنب، إذا أذنب أحد فليسرع الرجوع. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: سارعوا إلى الإخلاص. وقال علي رضي الله عنه: إلى أداء الفرائض. وقال أنس بن مالك: التكبيرة الأولى من العبادة. وقال الضحاك: إلى الجهاد. { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } قال سعيد بن جبير: لو أُلصِق بعضهن إلى بعض كانت الجنة في عرضهن. قال ابن عباس: يريد: لرجل واحد من أوليائه. قال الزهري: فأما الطول فلا يعلمه إلا الله. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أبي صالح: الجنان أربعة: جنة عدن -وهي الدرجة العليا-، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، وجنة المأوى، كل جنة منها كعرض السموات والأرض لو وُصِلَ بعضها إلى بعض. وقال ابن قتيبة: أراد بالعرض: السَّعَة، ولم يرد العرض الذي يخالف الطول، والعرب تقول: بلاد عريضة، أي: واسعة، قال النبي للمنهزمين يوم أُحُد: " لقد ذَهَبْتُمْ فيها عَرِيضة ". قال الشاعر:
كَأَنَّ بلاَدَ اللهِ وَهْيَ عَرِيضَةٌ
عَلَى الخَائِفِ المَطْلُوب كِفَّةُ حَابلِ
وروى وكيع في تفسيره بإسناده عن طارق بن شهاب، قال: قالت اليهود لعمر: تقولون: جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال عمر: أرأيت إذا جاء النهار فأين يذهب الليل، وإذا جاء الليل فأين يذهب النهار؟ قالوا: نزعتَ بما في التوراة. وقال أنس بن مالك: الجنة فوق السموات السبع، تحت العرش. قال قتادة: وإن جهنم تحت الأرضين السبع. ثم وصف المتقين فقال: { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } أي: في الشدة والرخاء، كما فعلت الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، المبرأة بنص الكتاب المطهَّرة من كل [عيب]، أم المؤمنين، وحبيبة رسول رب العالمين، عائشة رضي الله عنها، فإنها تصدَّقت في يوم بحبّة عنب، فتعجّبن النسوة منها، فقالت: إن فيها ذرّاً كثيراً، تشير إلى قوله تعالى: