{ وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } أي: الغني عن خلقه ذو الرحمة لهم، { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أيها العتاة الكفرة، والعصاة الفجرة، { وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ } أي: يخلق خلقاً آخر خلفاً منكم، يكونون له أطوع وإلى مرضاته أسرع. { كَمَآ أَنشَأَكُمْ } أي: ابتدأ خلقكم من ذرية قوم آخرين. قال الزجَّاج: موضع الكاف نصب، المعنى: ويستخلف من بعدكم مثل ما أنشأكم. يقال: أنشأ الله الخلق؛ إذا خلقه وابتدأه، وكل من ابتدأ شيئاً فقد أنشأه. ومن ذلك قولنا: فأنشأ الشاعر يقول، أي: ابتدأ من نفسه. والنَّشَأُ: الصِّغارُ من الأولاد. قال نُصيب:
وَلَوْلا أَنْ يُقَالَ صَبَا نُصَيْبٌ
لَقُلْتُ بِنَفْسِيَ النَّشَأُ الصِّغَارُ
{ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ } أي: إنما توعدون من مجيء الساعة والجزاء على الأعمال لآت. { وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } قال أبو عبيدة: يقال: أعجزني كذا، أي: فاتني وسبقني. فالمعنى: وما أنتم بفائتين الله إذا طلبكم. { قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } وقرأ [أبو بكر] عن عاصم: " مكاناتكم " بالجمع حيث وقع. قال الزجاج: المعنى: اعملوا على تمكنكم. ويجوز أن يكون المعنى: اعملوا على ما أنتم عليه، ويقال للرجل إذا أمرتَه أن يَثْبُتَ على حال: على مكانتكَ يا فلان، أي: اثبت على ما أنت عليه. فإن قيل: كيف يجوز أن يأمرهم بالثبات على ما هم عليه والله لا يأمر بالفحشاء؟ قلتُ: هذا تهديد لهم؛ كقوله:{ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40]. ألا تراه يقول: { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }. وقوله: { إِنَّي عَامِلٌ } وقف حسن. المعنى: إني عامل على مكانتي، ثابتٌ على ما أنا عليه من دين الإسلام. وقوله: { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } لم يعده أحد رأس آية وليس بوقف؛ لأن قوله: { مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ } معمول " تعلمون ". قال مكي: إن جعلت " مَنْ " استفهاماً كانت في موضع رفع بالابتداء، وما بعده الخبر، والجملة في موضع نصب بـ " تعلمون ". وإن جعلتها بمعنى " الذي " كانت في موضع نصب بـ " تعلمون ". قرأ حمزة والكسائي: " من يكونُ " بالياء، هنا وفي القصص. وقرأ الباقون بالتاء فيهما؛ لتأنيث العاقبة. و " عاقبة الدار ": الجنَّة. و " الظالمون ": المشركون.