{ قَالَ } سبحانه توبيخاً عليه وتقريعاً: { كَذٰلِكَ } أي: مثل ذلك فعلتَ بنا حين { أَتَتْكَ } بلسان الأنبياء { آيَاتُنَا } لهدايتك وإصلاح حالك { فَنَسِيتَهَا } ونبذتَها وراء ظهرك فكانت نسبتُك إليها كنسبة الأعمى إلى الأشياء المحسوسة { وَكَذٰلِكَ } أي: كالمنبوذ وراء الظهر { ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } [طه: 126] أنت في جهنم العبد والحرمان. { وَكَذٰلِكَ } أي: مثل نسيان من أعرض في العذاب { نَجْزِي } ونترك منسياً في جهنم { مَنْ أَسْرَفَ } وأفرط في الإعراض عن الله ورسله بمتابعة العقل واعتباراته ومضى عليها زماناً { وَلَمْ يُؤْمِن } أي: لم يُذعن ولم يُوقن { بِآيَاتِ رَبِّهِ } النازلة على أنبيائه ورسله، ولم ينتبه لمرموزاتها ومكنوناتها { وَ } الله وإن احتمل الشدائد، وارتكب المتاعب في تحصيل تلك الاعتبارات { لَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ } في شأنه لاشتغاله بغير الله وإعراضه عن آياته { أَشَدُّ } من شدائد ذلك التحصيل { وَأَبْقَىٰ } [طه: 127] وأدوم وباله من النخوة المترتبة عليها. { أَ } ينكر القريشي بآياتنا ويصر على إنكارها، ولم يذكر عذابنا لمنكري آياتنا { فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } ولم يرشدهم لم يذكّرهم إهلاكنا الأمم السالفة بسبب إنكار الآيات وتكذيب الرسل؛ إذ { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } أي: أهلكنا كثيراً من أهل القرون الماضية حين { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } أمثالهم أصحاء سالمين فجاءهم بأسنا بياتا أ, نهارا، فجعلناهم هالكين فانين، كأن لم يكونوا موجودين أصلاً لإعراضهم عنَّا وتكذيبهم آياتنا ورسلنا { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإهلاك { لآيَاتٍ } دلائلَ ظاهرةٍ على قدرتنا على الانتقام على المعرضين المكذِّبين لكتبنا ورسلنا، لكن لا تحصل تلك الدلائل إلا { لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } [طه: 128] أصحاب العقول المنتهية مقتضى عقولهم إلى الشهود. { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل في حق أمتك بدعائك لهم، وهو ارتفاع العذاب عنهم في دار الدنيا من المسخ والكسف، وغير ذلك من أهلكنا به الأمم الماضية { لَكَانَ } عذاب المنافقين اليوم { لِزَاماً } أي: لزاماً حتماً لازماً مبرماً لظهر أسبابه منهم { وَ } لكن قُدِّر له { أَجَلٌ مُّسَمًّى } [طه: 129] وهو يوم الجزاء. { فَٱصْبِرْ } يا أكمل الرسل { عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } إلى حلول الأجل المسمى، ولا يضيق صدرك من قولهم: إنكَ لا تقدرُ على إتيان العذاب بمقتضى دعواك، لذلك تخوفنا بالقيامة الموهومة، فلو كنتَ رسولاً مثل سائر الرسل لفعلتَ بنا ما فعلوا بأممهم { وَ } إذا سمعت أقوالهم الخشنةَ أعْرضْ عنهم، ولا تلتفت إليهم، ولا تشغل إلى المعارضة معهم. بل { سَبِّحْ } ونزه ربك عما يقولون من إنكار يوم الجزاء تسبيحاً مقروناً { بِحَمْدِ رَبِّكَ } شكراً لنعمائه وآلائه الواصلة إليك، وداوم عليه { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } بعد انتباهك من منام غفلتك، وقبل اشتغالك في أمور معاشك { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } بعد فراغك عن كسب المعاش، وقبل استراحك بالمنام { وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ } المعدِّ للاستراحة إن أيقظتَ فيها { فَسَبِّحْ وَ } سبح أيضاً { أَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } إذا فرغتَ عن الاشتغال { لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } [طه: 130] عن الله في جميع الأوقات، ويرضى الله فيها.