لمَّا وعد المطيعين بالعلو، والمتولين بالهلاك أكَّده بوعد الأولين بالفتوح، والآخرين بالتعذيب فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * إِنَّا فَتَحْنَا }: قضينا بفتح مكة، أو هو صلح الحديبية الذي كان منشأ جميع الفتوح، وهي بئر فيها مضمض صلى الله عليه وسلم، وقد ففارت فغارت بالعذاب الرواية { لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ }: فرطاتك، وحسنات الأبرار سيئات المقربين { وَمَا تَأَخَّرَ }: منه من كل أمر تحاوله، أو هو مبالغة كزيد يضرب من يلقاه ومن لا يلقاه، والمراد لتجتمع لك المغفرة مع ما عطف عليها بقوله { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ }: كالملك والنبوة { عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ }: ثبتك { صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً }: ذا غز، أو عز وقل وجود مثله { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ }: الطمأنينة، أو ملك ينزل بها { فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً }: بالشرائع النازلة { مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ }: بما نزل قبل أو بالله ورسوله { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }: فيعز من يشاء { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً }: بخلقه { حَكِيماً }: فيما دبر { لِّيُدْخِلَ }: بدل اشتمال من " ليغفر " أو متعلق " أنزل " { ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ }: يسترها بالعفو { وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ }: الغائظين بنصرهم { وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ } الأمر { ٱلسَّوْءِ }: هو أنه لن نصر المؤمنين { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ }: الذي ظنوه بالمؤمنين، أي: يحيط بهم كالدائرة لا يتخطاهم { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ }: أبعدهم من رحمته { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }: مرجعا { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }: فيذل من يشاء { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }: في انتقامه من أعدائه { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً }: على أمتك في القيامة { وَمُبَشِّراً }: لمن تبعك { وَنَذِيراً }: لمن عصاك { لِّتُؤْمِنُواْ }: أي: أنت مع أمتك { بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ }: تنصروه { وَتُوَقِّرُوهُ }: تعظموه { وَتُسَبِّحُوهُ }: تنزهوه من كل ذم أو تصولا عليه، أو تنزهوا الله، أو تصلوا له أو الضمائر كلها لله { بُكْرَةً وَأَصِيلاً }: طفرفي النهار أو كثيرا { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ }: بيعة الرضوان بالحديبية { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ }: لأنه المقصود ببيعته { يَدُ ٱللَّهِ }: اللائقة بجلاله { فَوْقَ أَيْدِيهِمْ }: المراد اطلاعه على مبايعتهم وحفظهم عليها، أذ أصله وضع المتوسط يده فوق أيدي المتبايعين لئلا يتفاسَخُوا أو نعمة الله عليهم فوق صنيعهم، أو هي يد رسوله { فَمَن نَّكَثَ }: نقضها { فَإِنَّمَا يَنكُثُ }: يرجع وَبَال نكثه { عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ }: وفَّى { بِمَا }: فيما { عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ }: عن الخروج معك إلى مكة عام الحديبية { مِنَ ٱلأَعْرَابِ }: بعد رجوعك منها { شَغَلَتْنَآ }: عن الخروج بأمرك { أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا }: لخدمتهم { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا }: عن التخلف { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ }: من الاعتذار والاستغفار { مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ }: أي: قضائه { شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً }: لا يمنعه المال ولا الأهل { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }: فلا تعتذروا { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً }: ويستأصلهم المشركون { وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ }: ظن { ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً }: هالكين عند الله بهذا الظن { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ }: أي: لهم { سَعِيراً }: نارا عظيمة { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ }: لم يزل { غَفُوراً رَّحِيماً }: لمن تاب.