الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

{ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } استئناف يبين مآل دعائه وعبادته غير الله تعالى ويقرر كون ذلك ضلالاً بعيداً من إزاحة ما عسى أن يتوهم من نفي الضرر عن معبوده بطريق المباشرة نفيه عنه بطريق التسبب أيضاً فالدعاء هنا بمعنى القول كما في قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها   أشطان بئر في لبان الأدهم
واللام داخلة في الجملة الواقعة مقولاً له وهي لام الابتداء و(من) مبتدأ و { ضَرُّهُ أَقْرَبُ } مبتدأ وخبر والجملة صلة له.

وقوله تعالى: { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } جواب قسم مقدر واللام فيه جوابية وجملة القسم وجوابه خبر { مِنْ } أي يقول الكافر يوم القيامة يرفع صوت وصراخ حين يرى تضرره بمعبوده ودخوله النار بسببه ولا يرى منه أثراً مما كان يتوقعه منه من النفع لمن ضره أقرب تحققاً من نفعه والله لبئس الذي يتخذ ناصراً ولبئس الذي يعاشر ويخالط فكيف بما هو ضرر محض عار عن النفع بالكلية، وفي هذا من المبالغة في تقبيح حال الصنم والإمعان في ذمه ما لا يخفى، وهو سر إيثار (من) على (ما) وإيراد صيغة التفضيل، وهذا الوجه من الإعراب اختاره السجاوندي والمعنى عليه مما لا إشكال فيه. وقد ذهب إليه أيضاً جار الله، وجوز أن يكون { يَدْعُو } هنا إعادة ليدعو السابق تأكيداً له وتمهيداً لما بعد من بيان سوء حال معبوده إثر معبوده إثر بيان سوء حال عبادته بقوله تعالى:ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [الحج: 12] كأنه قيل من جهته سبحانه بعد ذكر عبادة الكافر ما لا يضره ولا ينفعه يدعو ذلك ثم قيل لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفعياً والله لبئس المولى الخ، ولا تناقض عليه أيضاً إذ الضر المنفي ما يكون بطريق المباشرة والمثبت ما يكون بطريق التسبب، وكذا النفع المنفي هو الواقعي والمثبت هو التوقعي، قيل ولهذا الإثبات عبر بمن فإن الضر والنفع من شأنهما أن يصدرا عن العقلاء، وفي «إرشاد العقل السليم» أن يراد كلمة (من) وصيغة التفضيل على تقدير أن يكون ذلك إخباراً من جهته سبحانه عن سوء حال معبود الكفرة للتهكم به. ولا مانع عندي أن يكون ذلك كما في التقدير الأول للمبالغة في قبيح حال الصنم والإمعان في ذمه.

واعترض ابن هشام على هذا الوجه بأن فيه دعوى خلاف الأصل مرتين إذ الأصل عدم التوكيد والأصل أن لا يفصل المؤكد عن توكيده ولا سيما في التوكيد اللفظي، وقال الأخفش: إن { يَدْعُو } بمعنى يقول واللام للابتداء ومن موصول مبتدأ صلته الجملة بعده وخبره محذوف تقديره إلٰه أو إلٰهي، والجملة محكية بالقول. واعترض بأنه فاسد المعنى لأن هذا القول من الكافر إنما يكون في الدنيا وهو لا يعتقد فيها أن الأوثان ضرها أقرب من نفعها.

السابقالتالي
2