الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }

ومن قبائح أعمال المنافقين: أنّهم يستنكفون عن قبول التعليم، وعن التقليد للغير، والتسليم لأمره، ولا يرضون بمشاركة الناس ترفّعاً لمقامهم، ومقامهم أدنى من كلّ أحد، ممّن يقبل التعليم والتأديب والإرشاد والتهذيب.

ولمّا كان كمال الإنسان منوطاً بمجموع أمرين: ترْك ما لا ينبغي، وإتيان ما ينبغي. لذلك نهاهم الله في الآية المتقدّمة عن الفساد في الأرض، وأمرهم في هذه الآية بالإيمان ولفظة قوله: " آمِنوا " مفعول لم يُسَمّ فاعله؛ لمعنى قوله: " قيل " ، والإسناد الى صورة الفعل ولفظه جائزٌ، والممتنع هو الإسناد الى معناه، فهو مثل قولك: رُكّب " ضَرَبَ " من ثلاثة أحرف.

وقوله: { آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ } ، في حيّز النصب على المصدريّة، و " ما " مصدريّة، مثلها في " بما رجعت " ، أو كافّة مثلها في " ربما ".

والتعريف في " الناس " للجنس، أي كإيمان سائر الناس، واستدلّ به على قبول توبة الزنديق، وانّ الإقرار باللسان إيمان، وإلاّ لم يفد هذا التقييد.

أو المراد به الكاملون في الإنسانيّة، العاملون بمقتضى العقل، فإنّ اسم الجنس كما يطلق على مسمّاه مطلقاً، كذلك يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة، والمعاني المختصّة بالإنسان التي يمتاز بها عن سائر الأكوان وسائر الحيوان، هي الإيمان والمعرفة والعفّة والعدالة والصبر والتقوى والرضا بما أمر الله، وغير ذلك، فكلّ من أخلّ بشيء من ذلك، فقد نقص في الإنسانيّة بحسبه، وكلّ من قصّر عنها فصحّ سلب الانسانيّة عنه فيقال: زيدٌ ليس بإنسان، وإن كان في قالب الإنسانيّة، ومن هذا الباب قوله تعالى:صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [البقرة:18]، ونحوه، وقد جمع الشاعر بين المعنيين في قوله:
إذ الناس ناسٌ والزمانُ زمانُ   
ويمكن أن يكون للعهد، والمراد به الرسول (صلّى الله عليه وآله) ومَن معه أو من آمن من أهل جلدتهم كابن سلام وأصحابه والمعنى: آمِنوا كسائر الناس، أو كإيمان الخواصّ ايماناً مقروناً بالإخلاص، متمحّضاً عن شوائب النفاق.

والقائل: إمّا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أو بعض المؤمنين. وكان من جوابهم أن سفّهوا الناصح لفرط سفَههم، وجهّلوه لتمادي جهلهم وغرورهم.

ومنشأ غرورهم وتسفيههم لأهل الدين أحد أمرين؛ لأنّ الكفّار على ضربين، فَمِنْهُمْ مَنْ غَرَّتْه الْحَياةُ الدُنْيَا، ومنهم من غرِّه بالله الغَرور.

أمّا الذين غرّتهم الحياة الدنيا، فهم الذين لهم زينة في الحياة الدنيا، ورياسة في قومهم وجمعيّة ويسار، ورأوا أكثر المؤمنين فقراء تحت ذلّ المسكنة واليأس والبؤس، فاغترّوا بالدنيا وقالوا: النقد خير من النّسيئة، والدنيا نقدٌ، فتكون خيراً من الآخرة لأنّها نسيةٌ، فلا بدّ من ايثارها.

وربما قالوا أيضاً: اليقين خيرٌ من الشكّ، ولذّات الدنيا يقين، ولذّات الآخرة شكّ، فلا يترك اليقين بالشكّ، فهو هو الباعث لهم على نسبة السفاهة الى المؤمنين.

السابقالتالي
2 3 4