{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [النجم: 1] أي: وحق النجوم الثواقل الهاوية، النازلة بقلوب أرباب الإدارة من عالم اللاهوت؛ ليهتدوا بها في ظلمات التعينات إلى فضاء التوحيد وشمس الوحدة الذاتية الحقيقية. { مَا ضَلَّ } أي: ما انحرف وعدل { صَاحِبُكُمْ } الرسول المؤيد من عند الله، المستوي على صراط العدالة الإلهية عن طريق التوحيد والتحقيق { وَمَا غَوَىٰ } [النجم: 2] أي: ما ضلَّ وانصرف في سلوك سبيل الحق نحو الباطل الزاهق الزائغ. { وَمَا يَنطِقُ } ويتكلم بالقرآن المعجز { عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [النجم: 3] الناشئة من ظلمات الطبيعة والهيولي. { إِنْ هُوَ } أي: ما القرآن الذي ينزل إليه صلى الله عليه وسلم ويتكلم هو به { إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [النجم: 4] إليه من عند ربه، بلا تصنع له فيه، وتكلف من جانبه. بل { عَلَّمَهُ } عناية عليه وتكريماً، وتأييداً بشأنه وتعظيماً { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [النجم: 5] الذي لا حول ولا قوة في الوجود إلا منه وبه وله؛ إذ لا موجود سواه. هو سبحانه { ذُو مِرَّةٍ } قوة وقدرة ذاتية محيطة لعموم ما ظهر وبطن من المظاهر، وبعد تعليم الحق إياه صلى الله عليه وسلم وتقويته وتأييده { فَٱسْتَوَىٰ } [النجم: 6] تمكن واعتدل صلى الله عليه وسلم على صراط العدالة، وتمكن على مرتبة الخلافة والنيابة. { وَهُوَ } حينئذ من كمال التربية والتأييد تمكن { بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } [النجم: 7] الذي هو أفق عالم اللاهوت، ومطلع شمس الذات من مشرق عالم العمى، الذي هو{ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } [النور: 35]. { ثُمَّ دَنَا } وتقرب إلى ربه { فَتَدَلَّىٰ } [النجم: 8] وتعلق به سبحانه نوع تعلق ولحوق إلى حيث { فَكَانَ } قرب ما بينها { قَابَ قَوْسَيْنِ } أي: مقدار قوسي الوجوب والإمكان، الحافظين لمرتبتي الألوهية والعبودية { أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9] وأقرب منهما لفناء حصة الناسوت مطلقاً في حصة اللاهوت. وبعدما صار صلى الله عليه وسلم ما صار وقرب إلى حيث قرب { فَأَوْحَىٰ } وألهم سبحانه { إِلَىٰ عَبْدِهِ } الذي هو سبحانه أقرب إليه من نفسه { مَآ أَوْحَىٰ } [النجم: 10] من المعارف والحقائق، والمكاشفات والمشاهدات الفائضة عليه من لدنه سبحانه، الخارجة عن طور ناسوته وبشريته، فرأى صلى الله عليه وسلم ما رأى، وانكشف بما انكشف؟ وبالجملة: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ } أي: فؤداه صلى الله عليه وسلم الذي هو من منهيات عالم اللاهوت، المتمكن في قلوب ذوي العناية، وأولي الألباب على سبيل الوديعة من قِبل الحق { مَا رَأَىٰ } [النجم: 11] وشهد حين وصوله ولحوقه بالأفق الأعلى. { أَ } تنكرون انكشافه وشهوده صلى الله عليه وسلم أيها المحجوبون المحرومون { فَتُمَارُونَهُ } وتجادلون معه على سبيل المراء والمكابرة { عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [النجم: 12] من الذوقيات والوجدانيات التي تأبى عنها عقولكم، وتعمي أبصاركم، ولا يمكن إلقاؤها وكشفها لكم. وكيف تستبعدون وتنكرون له صلى الله عليه وسلم أمثال هذا { وَ } الله { لَقَدْ رَآهُ } ما رآه من الشهودات التي تدهش منها عقول العقلاء، وتتحير أوهامهم وخيالاتهم { نَزْلَةً أُخْرَىٰ } [النجم: 13] مرة أخرى قبل عروجه ووصوله إلى الأفق الأعلى، والمقام الأدنى الذي هو اليقين الحقي، وذلك { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } [النجم: 14] التي ينتهي إليها ودونها اليقين العلمي والعيني.