قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ } الآية. (ما) زائدة مؤكدة للقصة، أو نكرة. و { نَقْضِهِم } بدل منها. و { قَاسِيَةً } و (قسِيّة) لغتان، كعالم وعليم، ويؤيد قراءة { قَٰسِيَةً } قوله:{ فَوَيْلٌ لِّلْقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } [الزمر: 22]. ويؤيد قَرَأَةَ (قسية) أن " فعيلاً " أبلغ - في المدح والذم - من " فاعل " ، فعليم أبلغ من عالم، وسميع أبلغ من سامع، فالمعنى: من أجل نقضهم للميثاق - للذي أخذ عليهم - لعنهم الله، أي: أبعدهم من رحمته، وجعل (الله) قلوبهم قسية، أي: غليظة [نابية] عن الإيمان والتوفيق بطاعة الله. والقاسية والعاتية: واحد. وقوله: { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } أخبر الله عز وجل عن فعلهم أنهم يبدلون ما في التوراة ويكتبون بأيديهم غير الذي أنزله الله، ويقولون لجهالهم: هذا كلام الله. وهذا من صفة القرون (التي) كانت بعد موسى من اليهود، ومنهم من أدرك عصر نبينا، فأخبره الله عنهم بما [يعملون]، وأدخلهم في ذكر ما كانوا قبلهم إذ كانوا من أبنائهم وعلى منهاجهم. وقيل: معنى { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } يتأولونه على غير تأويله. وقيل: معنى { [وَجَعَلْنَا] قُلُوبَهُمْ قَٰسِيَةً }: (أي وصفناهم بهذا). وقوله: " { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } أي: تركوا نصيباً مما أُمِرُوا بِهِ ". قال الحسن: تركوا عُرى دينهم، أي: تركوا (الأخذ والعمل) بالتوراة. وقوله: { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } أي: لا تزال يا محمد تطلع من اليهود - الذين نقضوا الميثاق - على خيانة { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ } ، والخائنة، الخيانة، وضع الاسم موضع المصدر، كقولهم " خاطئة " في موضع " خطيئة " و " قائلة " في " قيلولة ". وقيل: (التقدير): على فرقة خائنة. وقيل على رجل خائنة، كما يقال: رجل راوية، يريد: لا تزال يا محمد تطلع على مثل الذين هموا بقتلك. وقيل: المعنى على نسمة خائنة منهم. ويجوز أن يكون التقدير: على فرقةٍ خائنة، أو: على طائفة خائنة. وقيل: الهاء للمبالغة، وقيل: (المعنى): على خائن منهم. { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ }: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عن هؤلاء الذين أرادوا قتله من اليهود. وقال قتادة: هي منسوخة بآية القتال في " براءة ". وقيل: هي منسوخة بقوله:{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } [الأنفال: 58]. وقيل: المعنى: فاعف عنهم واصفح ما دام / بينك وبينهم ذمة وعهد.