{ وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } قال أُبَيُّ بن كعب وابن عباس وغيرهما: معناه أُضْرِمَتْ ناراً، كما يُسْجَرَ التَّنُّورُ، ويحتملُ أنْ يكونَ المعنى مُلِكَتْ وقُيِّدَتْ، فتكونُ اللفظةُ مأخوذةً من سَاجُورِ الكَلْبِ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: «سُجِرَتْ» بتخفيفِ الجيمِ، والباقون بتشديدها، وتزويجُ النفوسِ: هو تَنْوِيعُها؛ لأن الأزواجَ هي الأنْواعُ، والمعنى: جَعْلُ الكافرِ مع الكافرِ والمؤمِنِ معَ المؤمِنِ، وكلِّ شكلٍ مع شكلِه؛ رواه النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقاله عمرُ بن الخطاب وابن عباس؛ وقال: هذا نظيرُ قوله تعالى:{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } [الواقعة:7] وفي الآيةِ على هذا حضّ عَلَى خَليلِ الخيرِ، فقد قال ـــ عليه السلام ـــ: " المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ " وقال: " فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ " ، وعبارةُ الثعلبيِّ: قال النعمانُ بْنُ بَشِيرٍ: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } ، قَالَ الضُّرَبَاء: كُلُّ رَجُلٍ مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَه، انتهى، وقال مقاتل بن سُلَيْمَانَ معناه: زوجتْ نُفُوسُ المؤمنينَ بزوجاتهنَّ من الحُورِ، وغيرِهِنَّ. وقوله تعالى: { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } الموؤودةُ اسم معناه المُثْقَلُ عليها بالتُّرَاب، وغيرِه حتى تموتَ؛ وكان هذا صنيعُ بعضِ العَرَبِ ببناتِهم يدفِنُونَهن أحياءً، وقرأ الجمهور: «سئلت» وهذا على جهةِ التوبيخِ للعربَ الفاعلينَ ذلك؛ واستدلَّ ابن عَبَّاس بهذه الآيةِ على أنَّ أولادَ المشركينَ في الجَنَّةِ، لأنَّ اللَّهَ قَدِ ٱنْتَصَرَ لَهُمْ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ. { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } قيل: هي صُحُفُ الأَعْمَالِ، وقيل: هي الصُّحُفُ التي تَتَطَايَرُ بالأَيْمَانِ والشَّمائلِ، والكَشْطُ: التقشيرُ وذلك كما يُكْشَطُ جلدُ الشاةِ حينَ تُسْلَخُ، وكَشْطُ السَّماءِ هُو طَيُّها كَطَيِّ السِّجِلِّ، و { سُعِّرَتْ } معناه: أُضْرِمَتْ نارُها، وأزلفت الجنة معناه: قُرِّبَتْ ليدخلَها المؤمنونَ، قال الثعلبي: قُرِّبَتْ لأهلها حتى يرونها، نظيرُه،{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [ق:31]. { عَلِمَتْ نَفْسٌ } عندَ ذلك { مَّا أَحْضَرَتْ } من خيرٍ أو شرٍ؛ وهو جوابٌ لقولهِ { إِذَا ٱلشَّمْسُ } وما بَعْدَها، انتهى.