قال الله تعالى: { وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } أقسم الله سبحانه وتعالى بالرياح يتبع بعضها بعضاً، كعُرْف الفرس. وهذا المعنى مروي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة. { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } وهي الرياح الشديدة الهبوب. { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } قال ابن مسعود: هي الرياح التي تنشر السحاب. وقال الحسن: هي الرياح التي ينشرها الله بين يدي رحمته. هذا قول جمهور المفسرين. { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } قال مجاهد: هي الرياح تُفَرِّقُ بين السحاب فتُبَدِّده. وقيل: المرسلات: الملائكة. فيكون سبحانه قد أقسم بطوائف من الملائكة أرسلهن بالمعروف من أمره سبحانه، فعصفن في مشيهنّ، كما تعصف الرياح مسارعة في امتثال أمره [بطوائف] منهم، نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهنّ بالوحي، أو نشرن الكتب [ففرقن] بين الحق والباطل، فألقين ذكراً إلى الأنبياء عليهم السلام. وقال أبو هريرة وابن مسعود في رواية مقاتل: المرسلات: الملائكة. قال الزجاج: العاصفات: الملائكة تعصف بروح الكافر. وقال الضحاك: الناشرات: الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد. وقال الحسن وقتادة: " الفارقات ": آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام. وقال قطرب: المُلْقيات: الرسل يلقون ما أنزل الله إليهم إلى الأمم. فإن قيل: ما وجه النصب في " غرقاً "؟ قلتُ: نصبه على الحال، على التفسير الذي ذكرناه أولاً، على معنى: متتابعة. ويجوز أن يكون مفعولاً له إذا أريد بالمرسلات: الملائكة، أي: أُرسلن للمعروف الذي هو نقيض المنكر. قوله تعالى: { عُذْراً أَوْ نُذْراً } قرأ الحرميان وابن عامر وأبو بكر: بضم الذال فيهما. وقرأهما الباقون: بالإسكان. وهما لغتان، والضم الأصل، والإسكان للتخفيف، وهما مصدران في موضع المفعول لهما، أي: للإعذار والإنذار. ويجوز أن يكونا منصوبين على البدل من " ذكراً " ، وجواب القسم قوله تعالى: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ } والمعنى: إنما توعدون من البعث والجزاء لكائن. قوله تعالى: { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ } مبتدأ، خبره: { طُمِسَتْ }. وقيل: " النجوم " رفع بفعل مضمر دل عليه " طمست " ، والجملة في موضع الجر بـ " إذا " ، والعامل في إذا مضمر، تقديره: فاذكر إذا النجوم طمست، وإن شئت كان التقدير: فإذا النجوم طمست بِعُثْتُم. وإعراب ما بعده من المواضع الثلاثة كإعرابه. [ومعنى] قوله: " طُمِسَت ": مُحِيَ نورُها. { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } فُتحت فكانت أبواباً. { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } قُلعت من أماكنها. وقد ذكرناه في طه. { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } قرأ أبو عمرو: " وُقِّتَت " بالواو، ومثله أبو جعفر غير أنه خفف القاف. وقرأ الباقون " أُقِّتَت " بالهمزة وتشديد القاف. والمعنى: جُمعت لوقتها الذي تَشْهَدُ فيه على الأمم. وأصلها: وُقِّتَت بالواو، فأبدلوا من الواو المضمومة همزة. قال الزجاج وغيره: كل واو [انضمت] وكانت ضمتها لازمةً جاز أن تبدل منها همزة.