قوله تعالى: { هُدىً ورحمةً } وقرأ حمزة وحده: { ورحمةٌ } بالرفع. قال الزجاج: القراءة بالنصب على الحال؛ والمعنى: تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة؛ ويجوز الرفع على إِضمار { هو هدىً ورحمةٌ } وعلى معنى { تلك هدىً ورحمةٌ }. وقد سبق تفسير مفتتحَ هذه السورة [البقرة:1-5] إِلى قوله: { ومِنَ النَّاس من يشتري لَهْوَ الحديث } قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية مغنّيةً. وقال مجاهد: نزلت في شراء القِيَان والمغنِّيات. وقال ابن السائب ومقاتل: نزلت في النَّضْر بن الحارث، وذلك أنه كان تاجراً إِلى فارس، فكان يشتري أخبار الأعاجم فيحدِّث بها قريشاً ويقول لهم: إِنَّ محمداً يحدِّثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أُحدِّثكم بحديث رستم وإِسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزلت فيه هذه الآية. وفي المراد بلهو الحديث أربعة أقوال. أحدها: [أنه] الغناء. كان ابن مسعود يقول: هو الغناء والذي لا إِله إِلا هو، يُردِّدها ثلاث مرات؛ وبهذا قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل. والثاني: أنه ما ألهى عن الله، قاله الحسن، وعنه مثل القول الأول. والثالث: أنه الشِّرك، قاله الضحاك. والرابع: الباطل، قاله عطاء. وفي معنى { يشتري } قولان. أحدهما: يشتري بماله؛ وحديث النضر يعضده. والثاني: يختار ويستحبّ، قاله قتادة، ومطر. وإِنما قيل لهذه الأشياء: لهو الحديث، لأنها تُلهي عن ذِكْر الله. قوله تعالى: { لِيَضِلَّ } المعنى: ليصير أمره إِلى الضلال، وقد بيَّنَّا هذا الحرف في [الحج:9]. وقرأ أبو رزين، والحسن وطلحة بن مصرف، والأعمش، وأبو جعفر: { لِيُضِلَّ } بضم الياء، والمعنى: لِيُضِلَّ غيره، وإِذا أضَلَّ غيره فقد ضَلَّ هو أيضاً. قوله تعالى: { ويَتَّخِذَها } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: { ويَتَّخِذُها } برفع الذال. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بنصب الذال. قال أبو علي: من نصب عطف على { لِيُضِلَّ } { ويَتَّخذ } ومن رفع عطفه على { من يشتري } { ويتخذ }. وفي المشار إِليه بقوله: { ويَتَّخِذَها } قولان. أحدهما: أنها الآيات. والثاني: السبيل. وما بعد هذا مفسر في مواضع قد تقدَّمت [الاسراء:46، الانعام:25، البقرة:25، الرعد:2، النحل:15،الشعراء:7] إِلى قوله: { ولقد آتيْنا لُقمَان الحكمة } وفيها قولان. أحدهما: الفهم والعقل، قاله الأكثرون. والثاني: النبوَّة. وقد اختُلف في نبوَّته على قولين: أحدهما: أنه كان حكيماً ولم يكن نبيّاً، قاله سعيد بن المسيب، ومجاهد، وقتادة. والثاني: أنه كان نبيّاً، قاله الشعبي، وعكرمة، والسدي. هكذا حكاه عنهم الواحدي، ولا يعرف، إِلاَّ أن هذا ممَّا تفرَّد به عكرمة؛ والقول الأول أصح. وفي صناعته ثلاثة أقوال. أحدها: أنه كان خيّاطاً، قاله سعيد بن المسيب. والثاني: راعياً، قاله ابن زيد. والثالث: نجاراً، قاله خالد الربعي. فأما صفته، فقال ابن عباس: كان عبداً حبشيّاً. وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان أسود من سودان مصر. وقال مجاهد: كان غليظ الشفتين مشقَّق القدمين، وكان قاضياً على بني إِسرائيل. قوله تعالى: { أَنِ اشكُر لله } المعنى: وقلنا له: أن أشكر لله [على] ما أعطاك من الحكمة { ومن يشكُرْ فانَّما يَشكُرُ لنَفْسه } أي: إِنما يفعل لنفسه { ومن كَفَر } النِّعمة، فان الله لغنيٌّ عن عِبادة خَلْقه.