الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ } رفع بإضمار فعل يفسره ما بعده. و { خَافَتْ } بمعنى توَقّعت. وقول من قال: خافت تيَقّنت خطأ. قال الزجاج: المعنى وإن امرأة خافت من بعلها دوام النشوز. قال النحاس: الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز التباعد، والإعراض ألاّ يكلمها ولا يأنس بها. ونزلت الآية بسبب سَوْدَة بنت زَمْعَة. روى الترمذيّ عن ابن عباس قال: خَشِيَتْ سَودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلِّقني وأمسكني، وٱجعل يومي منك لعائشة ففعل فنزلت: { فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز، قال: هذا حديث حسن غريب. وروى ابن عيينة عن الزُّهرِيّ عن سعيد بن المسيب: أن رافع بن خَديج كانت تحته خَوْلَة ابنة محمد بن مسلمة، فكره من أمرها إمّا كبراً وإمّا غيره، فأراد أن يطلقها فقالت: لا تطلِّقني وٱقسم لي ما شئت فجرت السنّةُ بذلك ونزلت { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً }. وروى البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حِلّ فنزلت هذه الآية. وقراءة العامة «أَنْ يَصّالَحَا». وقرأ أكثر الكوفيين «أَنْ يُصْلِحَا». وقرأ الجَحْدَرِيّ وعثمان البتي «أَنْ يَصَّلِحَا» والمعنى يصطلحا ثم أدْغِم. الثانية ـ في هذه الآية من الفقه الردّ على الرُّعْن الجهال الذين يَرَوْن أن الرجل إذا أخذ شباب المرأة وأسنّت لا ينبغي أن يتبدّل بها. قال ابن أبي مَليكة: إن سَوْدَة بنت زَمْعَة لما أسنّت أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يطلِّقها، فآثرت الكون معه، فقالت له: أمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل صلى الله عليه وسلم، وماتت وهي من أزواجه. قلت: وكذلك فعلت بنت محمد بن مسلمة روى مالك عن ابن شهاب عن رافع بن خَديج أنه تزوّج بنت محمد ابن مسلمة الأنصارية، فكانت عنده حتى كبرت، فتزوّج عليها فتاة شابّة، فآثر الشابّة عليها، فناشدته الطلاق، فطلّقها واحدة، ثم أهملها حتى إذا كانت تحِلّ راجعها، ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة، ثم راجعها فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فقال: ما شئت إنما بقِيت واحدة، فإن شئت ٱستقررتِ على ما تَرَيْن من الأَثَرة، وإن شئت فارقتك. قالت: بل أستقرّ على الأثرة. فأمسكها على ذلك ولم يَرَ رافِعٌ عليه إثْماً حين قرّت عنده على الأثرة. رواه مَعْمر عن الزهريّ بلفظه ومعناه وزاد: فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزل فيه { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ }.

السابقالتالي
2 3