{ قال اهبطا منها } خطاب لآدم وحزبه وإبليس وحزبه { بعضكم لبعض عدوّ فإمَّا يأتينَّكم مني هدىً } أي رسولٌ وكتاب { فمن اتّبع هداي } يعني الكتاب والرسول { فلا يضل } في الدنيا { ولا يشقى } في الآخرة { ومن أعرض عن ذكري } عن القرآن والعمل به { فإن له معيشة ضنكاً } ، قيل: عيشاً ضيقاً، وقيل: هو الضريع والزقوم في النار، وقيل: هو عذاب القبر، فضمن الله لمن يقرأ القرآن وعمل بما فيه لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة { ومن أعرض عن ذكري } عن القرآن والعمل به { فإن له معيشة ضنكا } قال تعالى:{ وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } [البقرة: 61] وقال:{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإِنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } [المائدة: 66] وقال:{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } [الأعراف: 96] وقال:{ استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً } [النوح: 10-11] وقال تعالى:{ وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً } [الجن: 16] { ونحشره يوم القيامة أعمى } ، قيل: عمي البصر { قال رب لم حشرتني أعمى } هو سؤال استفهام أي لأي ذنب، وقيل: تضرع، وقيل: كنت بصيراً بعينين، وقيل: كنت بصيراً بحجتي عند نفسي { كذلك أتتك آياتنا } حجتنا { فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } أي كما أتتك آياتي فأعرضت عنها كذلك اليوم تترك، قال جار الله: كذلك أتتك آياتنا فلم تنظر إليها بعين المعتنين ولم تبصر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم تترك ولا يزال غطاك عينك، قال جار الله: ختم آيات الوعيد بقوله: { ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى } كأنه قال: وللحشر على الأعمال الذي لا يزول أشد من ضيق العيش المبقى، وأراد لتركنا إياه في العمى أشد وأبقى من تركه آياتنا، قوله تعالى: { وكذلك نجزي } نعاقب { من } أسرف بالمعاصي { ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشدّ } من عذاب الدنيا { وأبقى } أي أدوم { أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون } الأمم الماضية { يمشون في } ديارهم، قيل: كانت قريش تتجر إلى الشام فتمر بديار عاد وثمود وترى مساكنهم خالية، وقيل: { مساكنهم } قبورهم لأنها مساكن الموتى يعني لم يكن هادياً لهم، ودلائل وكم أهلكنا { إن في ذلك } أي في الهلاك للأمم { لآيات } لعبرة { لأولي النهى } لذوي العقول الذين تدبروا في أحوالهم وما كانوا فيه من نعم الدنيا وعظم الشأن.