قوله: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ }. قيل: دين ربك. { بِٱلْحِكْمَةِ }. قال الحسن: الحكمة: القرآن، أي: ادعهم إلى دين الله بالقرآن. وقال بعضهم: بالحكمة: بالحجة والبرهان، أي: ادعهم إلى دين الله بالحجج والبراهين؛ أي: ألزمهم دين الله بالحجج والبراهين؛ حتى يقروا به. وقوله - عزّ وجلّ: { وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ }. قال الحسن: أي عظهم بالمواعظ التي وعظهم الله - تعالى - في الكتاب. وقال أبو بكر: أي ذكرهم النعم التي أنعم عليهم، { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ، أي: جادلهم أحسن المجادلة بلين القول، وخفض الجانب والجناح؛ لعلهم يقبلون دينهم، ويخضعون لربهم. وكذلك اختلفوا في قوله:{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [المائدة: 110]، وقوله:{ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } [آل عمران: 81]: قال الحسن: الكتاب والحكمة: واحد؛ اسم شيء، وهو القرآن. وقال بعضهم: الكتاب هو القرآن، وهو سماع الوحي، والحكمة: وحي الإلهام، وهو السنة. وقال بعضهم: الكتاب: هو التنزيل، والحكمة: هي المعنى المودع فيه؛ فمن يقول: إن الكتاب والحكمة واحد، وهي القرآن يقول في قوله: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ }: القرآن، ومن يقول عنه: إنهما غيرٌ - يقول - هاهنا -: إنّ الحكمة: الحجة والبرهان، إمّا من جهة الإلهام أو من جهة الانتزاع من الكتاب. ويحتمل أن يكون قوله: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ }: التي ذكر في هذه السورة؛ من ذلك قوله:{ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } [النحل: 69]: يعني: من بطون النحل، وقوله:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } [النحل: 66]، وما ذكر أنه يخرج من الخشب اليابسة - الأعناب وأنواع الثمرات ونحوه؛ فذلك كله بحكمته، أي: ادعهم إلى دينه وذكرهم بهذا، وهم يقرون به؛ ليقبلوا دينه ويخضعوا لأمره. والموعظة الحسنة: ما ذكر في قوله:{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ... } الآية [النحل: 90]، وذلك كله مستحسن في العقل وتوجبه الحكمة؛ لأن العدل والإحسان، وما ذكر من إيتاء ذي القربى - الصدقة - مستحسن في عقل كل أحد. والانتهاء - أيضاً - عن الفحشاء والمنكر مستحسن، مستقبح ارتكابه وإتيانه؛ كأن الحكمة هي التي تشتمل على العلم والعمل جميعاً؛ كأنه قال: ادعهم إلى دين الله بالعلم والعمل جميعاً؛ حتى ينجع ذلك فيهم؛ أو: ادعهم باللّين وخفض الجناح مرة، [و] بالعنف والخشونة ثانياً؛ فيكون وضع الشيء موضعه، ثم قال: { يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }. وقوله - عزّ وجلّ -: { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }. يحتمل - والله أعلم - أي: جادلهم بالذي يقرون على ما ينكرون، وهو ما ذكر:{ أَفَمَن يَخْلُقُ... } الآية [النحل: 17]، وقوله:{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً } [النحل: 73]، وقوله:{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً... }