{ وَ } من غاية جهلهم ونهاية قسوتهم { إِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ } هادية لهم إلى سبيل الرشاد { قَالُواْ } من غاية بغضهم وعنادهم: { لَن نُّؤْمِنَ } بها { حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ } من يدعي أنهم { رُسُلُ ٱللَّهِ } إذ نحن وهم سواء في البشرية وأولى منهم في الرئاسة والنسب، فكيف يؤتى لهم ولم يؤتَ إلينا؟ قل لهم يا أكمل الرسل: الوحي والإيتاء بيد الله يؤتي من يشاء ويمنع ممن يشاء؛ إذ { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } لا يعتبر عنده الرئاسة والنسب بلا تفضلاً على من تفضل من عباده بلا التفات إلى نسبه وحسبه يقدر قابليته واستعداده، المقدر له من عنده في سابق علمه،{ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } [النمل: 70] ويقولون إذ { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } مغرورين على رئاستهم وجهلهم ونسبهم { صَغَارٌ } مذلة وهوان { عِندَ ٱللَّهِ } حين إحضارهم الحساب والجزاء { وَ } بعدما كشف حالهم وحسابهم لهم { عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } [الأنعام: 124]. وإذا كان الأمر بيد الله من عنده { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ } إلى توحيده { يَشْرَحْ صَدْرَهُ } أي: يفسحه ويوسعه { لِلإِسْلَٰمِ } أي: التفويض والاستسلام إلى حيث رضي بجميع ما قضي له، ومتى رضي بالقضاء يسع الحق فيه فيستولي عليه فيغنيه عن هويته ويبقيه ببقائه السرمدي { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } عن فسحة توحيده { يَجْعَلْ صَدْرَهُ } الذي من شأنه أن يسع الحق فيه { ضَيِّقاً } ضنكاً { حَرَجاً } في غاية الضيف باستيلاء لوازم الإمكان عليه، إلى حيث تضيق الأرض عليه فيتمنى الصعود إلى عالم الأسباب { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي: يطلب الصعود إلى السماء، ومن غاية احتياجه واضطراره، وهذا مثل يضرب به لمن ضاق عليه طرق معاشه { كَذٰلِكَ } أي: كحال من اضطر إلى الصعود نحو السماء { يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ } أي: خذلان الإمكان والحرمان في النشأة الأخرى { عَلَى } القوم { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125] بتوحيد الله وسعة لطفه وجوده. { وَهَـٰذَا } أي: ما أنزلنا إليك يا أكمل الرسل من القرآن المبين لطريق المعرفة والإيقان { صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } لا عوج فيها أصلاً موصلاً إلى توحيده { قَدْ فَصَّلْنَا } وأوضحنا فيما أنزلناه إليك { ٱلآيَاتِ } الدالة على توحيدنا { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [الأنعام: 126] يتعظون بها ويتذكرون مبدأهم الذي ينشئون منه ويظهرون عنه وهو الوحدة الذاتية. { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ } أي: مقام التفويض والاستسلام { عِندَ رَبِّهِمْ } بعدما تحققوا بتوحيده { وَهُوَ } بذاته { وَلِيُّهُمْ } ومولى أمورهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 127] أي: بجميع ما كانوا يعملون من الأعمال؛ إذ هو سمعهم وبصرهم ويدهم ورجلهم وجميع جوارحهم التي صدرت عنها أعمالهم على ما نطق الحديث القدسي صلوات الله وسلامه على قائله.