الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }

استئناف بياني جواب سؤال يخطر ببال سامع قولِهبأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } محمد 11 عن حال المؤمنين في الآخرة وعن رزق الكافرين في الدنيا، فبيّن الله أن من ولايته المؤمنين أن يعطيهم النعيم الخالد بعد النصر في الدنيا، وأنّ ما أعطاه الكافرين في الدنيا لا عبرةَ به لأنهم مسلوبون من فهم الإيمان فحظهم من الدنيا أكل وتمتع كحظ الأنعام، وعاقبتهم في عالم الخلود العذاب، فقوله { والنار مثوًى لهم } في معنى قوله في سورة آل عمران 196، 197لا يغرنك تقلُّب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } وهذا الاستئناف وقع اعتراضاً بين جملةأفلم يسيروا في الأرض } محمد 10 وجملةوكأين من قرية } محمد 13 الآية. والمجرور من قوله { كما تأكل الأنعام } في محل الحال من ضمير { يأكلون } ، أو في محل الصفة لمصدر محذوف هو مفعول مطلق لــ { يأكلون } لبيان نوعه. والتمتع الانتفاع القليل بالمتاع، وتقدم في قولهمتاع قليل } في سورة آل عمران 197، وقولهومتاع إلى حين } في سورة الأعراف 24. والمثوى مكان الثواء، والثواء الاستقرار، وتقدم في قولهقال النار مثواكم } في الأنعام 128. وعدل عن الإضافة فقيل { مثوًى لهم } بالتعليق باللام التي شأنها أن تنون في الإضافة ليفاد بالتنوين معنى التمكّن من القرار في النار مثوى، أي مثوى قوياً لهم لأن الإخبار عن النار في هذه الآية حصل قبل مشاهدتها، فلذلك أضيفت في قوله { قال النار مثواكم } لأنه إخبار عنها وهم يشاهدونها في المحشر.