الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } لمّا كان الحكم الآتى ايضاً ممّا يصعب امتثاله لكون الظّنّ فى جبلّة اكثر النّاس أتى بالنّداء { ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ } ابهام الكثير ليحتاط فى كلّ ظنٍّ ويتبيّن انّه من اىّ القبيل.

اقسام الظّنّ وهى خمسة بحسب الاحكام الخمسة

{ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ } اجتناب اصل الظّنّ غير مقدورٍ للمكلّفين الاّ ان يكون الامر باجتناب الظّنّ امراً باجتناب مباديه، وامّا اجتناب اتّباعه فانّه مقدور لكلّ احدٍ والظّنون مختلفة فظنّ يجب اتّباعه لو حصل، ويجب تحصيله لو لم يكن حاصلاً وهو الظّنّ حين الشّكّ فى الصّلاة، والظّنّ حين الاحتياط فى العمل، وكالظّنّ الحسن بالله وبالمؤمنين، وظنّ يستحبّ اتّباعه لو حصل ويستحبّ تحصيله لو لم يكن حاصلاً كالظّنّ بحاجة المؤمن، وتحصيل الظّنّ بحاله من حاجةٍ وغيرها، وظنّ يكره اتّباعه وتحصيله كالظّنّ بنجاسة شيءٍ لا يحصل من تطهيره ضررٌ معتدَّ به، وظنّ يحرم اتّباعه وتحصيله كالظّنّ بسؤات المؤمنين وعوراتهم وفحشائهم، وظنٌّ مباح، فبعض الظّنّ اثم يجب اجتنابه وترك اتّباعه، وعن علىّ (ع) قال: ضع امر اخيك على احسنه حتّى يأتيك ما يقلّبك منه، ولا تظنّنّ بكلمةٍ خرجت من اخيك سوءً وانت تجد لها فى الخير محملاً، وعنه (ع): اذا استولى الصّلاح على الزّمان واهله ثمّ اساء رجلٌ الظّنّ برجلٍ لم يظهر منه خزيةٌ فقد ظلم، واذا استولى الفساد على الزّمان واهله ثمّ احسن الرّجل الظّنّ برجل فقد غرر.

معنى الغيبة

{ وَلاَ تَجَسَّسُواْ } عن عورات المؤمنين حتّى يحصل لكم ظنّ سوء، وقرئ لا تحسّسوا بالحاء المهملة وهو بمعناه، عن الصّادق (ع) قال رسول الله (ص): " لا تطلبوا عثرات المؤمنين فانّه من تتبّع عثرات اخيه تتّبع الله عثرته، ومن تتبّع الله عثرته يفضحه ولو فى جوف بيته " { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } اى لا يذكر بعضكم بعضاً بالسّوء فى غيبته، والغيبته ان تظهر بلسانك او بسائر جوارحك بالتّصريح او بالكناية والتّلويح عيباً للمؤمن قد ستره الله عليه فى غيابه، وحيث لم يكن يعلم باظهارك، وامّا العيوب الّتى لم تكن فى المؤمن فنسبتها اليه فى حضوره وغيابه تكون بهتاناً وتكون اشدّ من الغيبة، ويظهر ممّا ذكرنا فى سورة البقرة فى بيان قوله تعالى: وبالوالدين احساناً وجه حرمة السّخريّة بالمؤمن ولمزه ونبزه باللّقب السّوء والظّنّ به وتجسّس عورته والغيبة له والبهتان له، ويظهر ايضاً سرّ كونها اشدّ من الزّنيّة، وقد ذكر فى الفقه الموارد الّتى يجوز الغيبة فيها، وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن الغيبة فقال: هو ان تقول لاخيك فى دينه ما لم يفعل، وتبثّ عليه امراً قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حدّ، وفى روايةٍ: وامّا الامر الظّاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا، وعن الكاظم (ع) من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه النّاس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه النّاس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته، وفى حديثٍ: قولوا فى الفاسق ما فيه كى يحذره النّاس، وفى اخبارٍ عديدةٍ مضمون قول النّبىّ (ص):

السابقالتالي
2 3