- قوله: { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } إلى قوله: { لِبَداً }. أي: وإنّا حسبنا وتوهمنا أن أحداً لا يقول على الله الكذب. وذلك أنهم كانوا يحسبون أَ(نّ) إبليس كان صادقاً فيما [يدعوهم] إليه من صنوف الكفر. فما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذباً في كل ذلك وسَمّوه سفيها. [ثم قال]: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }. هذا أيضاً من قول النفر من الجن. ذكروا أن رجالاً من الإنس [كانوا] [يستجيرون] برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا، فزاد الجنّ باستجارتهم (لهم) جرأة عليهم وازداد الإنس إِثْماً. قال ابن عباس: [فزادوهم] إثماً. وهو قول قتادة. فازداد الإنس بفعلهم ذلك إثماً، وازداد الجن على الإنس جرأة. وقال مجاهد: ازداد الإنس بذلك طغياناً. وقال الربيع بن أنس: فازداد الإنس لذلك فَرقاَ من الجن. وهو قول ابن زيد. وقال أبو عبيدة: رهقاً: سفهاً وظلماً. والرهق في كلام العرب: الإثم والعيب وإتيان المحارم. ومنه: فلان يرهق بكذا، أي: يعاب به. فيكون التقدير: فزاد الجنّ الإنسَ إِثماً لمّا [استعاذوا] بهم. وكان ذلك من فعل المشركين. قال ابن عباس وغيره: كان رجال من الإنس يَبِيتُ أحدهم في الوادي في الجاهلية، فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي فزادهم ذلك إثماً. وقال الحسن: كان الرجل إذا نزل في الوادي يقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه. وقال النخعي: كان الرجل إذا نزل [الوادي] يقول: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر (ما) فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضراً ولا نفعاً. وقال مجاهد: كانوا يقولون إذا هبطوا وادياً: نعوذ بعظماء هذا الوادي وهو قول قتادة وغيره. - ثم قال: { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً }. أي: وإن الرجال من الجن ظنوا كما ظن الرجال من الإنس أن الله لا يبعث أحداً، أي: رسولاً إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده. قاله الكلبي. وقال غيره، معناه: وأن الجن ظنوا كما ظن الكفار من الإنس أن الله لا يبعث أحداً يوم القيامة. - ثم قال: { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً / }. [وقال النفر من الجن إنا طلبنا خبر السماء فوجدناها قد ملئت حفظاً مانعاً] [وشهباً] نُرْجَم بها إذا أردنا الاستماع. والشُّهب: النُّجُوم. وقال ابن جبير: كانت الجن [تستمع]، فلما رُجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء إنما هو لشيء حدث في الأرض. قال: فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً من سوق عُكَاظٍ يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فذهبوا إلى أصحابهم منذرين. - ثم قال { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ.