{ فَسَتُبْصِرُ } فسترى يا محمد { وَيُبْصِرُونَ } ويرون يعني الذين رموه بالجنون. { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } اختلف المفسرون في معنى الآية ووجهها، فقال قوم: معناه بأيّكم المجنون، وهو مصدر على وزن المفعول كما يقال: ما لفلان مجنون ومعقود ومعقول أي جلادة وعقد وعقل، قال الشاعر:
حتّى إذا لم يتركوا لعظامه
لحماً ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا، وهذا معنى قول الضحاك: ورواية العوفي عن ابن عباس. وقيل: الباء بمعنى في مجازه: فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون في فريقك يا محمد أو في فريقهم. والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان. وقيل: تأويله بأيّكم المفتون وهو الشيطان، وهذا معنى قول مجاهد. وقال آخرون: معناه: أيّكم المفتون والباء زائدة لقوله تعالى:{ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون: 20] و{ يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [الإنسان: 6] وهذا قول قتادة والأخفش [وأبي عبيد]. وقال الراجز:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
نضرب بالسيف ونرجوا بالفرج
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ * فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } فيما دعوك عليه من دينهم الخبيث، نزلت في مشركي قريش حين دعوه إلى دين آبائه، { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } قال عطية والضحاك: لو تكفر فيكفرون. وقال ابن عباس: برواية الوالبي لو ترخص فيرخصون، قال الكلبي: لو تلن لهم فيلينون، الحسن: لو تصانعهم دينك فيصانعون في دينهم، زيد بن مسلم: لو تنافق وترائي فينافقون، أبان ابن تغلب: لو تحابهم فيحابوك، وقال العوفي: لو تكذب فيكذّبون، عوف عن الحسن: لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم، ابن كيسان: لو تقاربهم فيقاربوك. { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ } كثير الحلف بالباطل يعني: الوليد بن المغيرة وقيل: الأسود بن عبد يغوث، وقيل: الأخفش بن شديق. { مَّهِينٍ } ضعيف حقير. وقال ابن عباس: كذّاب وهو قرين منه؛ لأنّ الرجل إنّما يكذّب لمهانة نفسه عليه. وقال قتادة: المكثار في الشر. { هَمَّازٍ } مغاتب يأكل لحوم الناس. وقال الحسن: هو الذي يعيب ناحية في المجلس لقوله: همزة. { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } قتادة: يسعى بالنميمة يفسد بين الناس. { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } قال ابن عباس: يعني للإسلام يمنع ولده وعشيرته من الإسلام ويقول: لأن دخل واحد منكم في دين محمد لا انفعه بشيء أبداً. وقال الآخرون: يعني بخيل بالمال ضنين به عن الحقوق. { مُعْتَدٍ } غشوم ظلوم. { أَثِيمٍ } فاجر. { عُتُلٍّ } قال ابن عباس: العتل: الفاتك الشديد المنافق. وقال عبيد بن عمير: العتلّ الأكول الشروب القويّ الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعره، يدفع الملك من أولئك سبعين ألف دفعة. وقال عليّ والحسن: العتلّ: الفاحش الخلق السيّيء الخلق. وقال يمان: هو الجافي القاسي اللئيم العشرة. وقال مقاتل: الضخم. وقال الكلبي: هو الشديد في كفره، وكلّ شديد عند العرب عتلّ وأصله من العَتل وهو الدفع بالعنف.