وقوله سبحانه: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوءَ بِجَهَـٰلَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } هذه آية تأنيسٍ لجميعِ العالم فهي تتناوَلُ كلَّ كافرٍ وعاصٍ تَابَ من سوءِ حالِهِ، قالتْ فرقة: «الجهالة»؛ هنا: العَمْد، والجهالة؛ عندي في هذا الموضع: ليست ضد العلْم، بل هي تَعَدِّي الطَّوْر ورُكُوب الرأْس. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " « أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَليِّ» " وقد تقدَّم بيان هذا، وقلَّما يوجَدُ في العصاة مَنْ لم يتقدَّم له علْم بُحَظْر المعصيةِ التي يُوَاقِع. وقوله سبحانه: { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـانِتًا لِلَّهِ... } الآية: لما كَشَفَ اللَّه فعْلَ اليهودِ وتحكُّمهم في شرعهم بذكْر ما حرَّم عليهم - أراد أنْ يبيِّن بُعْدَهم عن شرْعِ إِبراهيم عليه السلام، «والأمة»، في اللغة: لفظةٌ مشتركةٌ تقع لِلْحِينِ، وللجَمْعِ الكثير، وللرَّجُل المنفردِ بطريقةٍ وحده، وعلى هذا الوجه سُمِّي إِبراهيم عليه السلام أمة، قال مجاهد: سُمِّيَ إِبراهيم أمةً؛ لانفراده بالإِيمان في وقته مدَّةً مَّا، وفي البخاريِّ؛ أنه قال لِسَارَةَ: «لَيْسَ عَلَى الأرْضِ اليَوْمَ مؤمنٌ غيري وغَيْرُكِ»، وفي البخاريِّ قال ابنُ مسعودِ: الأُمَّة معلِّمُ الخَيْرِ والقانِتُ: المطيعُ الدائِمُ على العبادَةِ، والحَنِيف: المائلُ إلى الخير والصَّلاح. وقوله سبحانه: { وَآتَيْنَـٰهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } ، الآية «الحسنةُ»: لسَانُ الصدق، وإِمامته لجميعِ الخَلْق؛ هذا قول جميع المفسِّرين، وذلك أنَّ كل أمةٍ متشرِّعة، فهي مقرَّة أنَّ إِيمانها إِيمان إِبراهيم، وأنه قُدْوَتُها، وأنه كان على الصواب. * ت *: وهذا كلامٌ فيه بعض إِجمالٍ، وقد تقدَّم في غير هذا الموضعِ بيانه، فلا نطوِّل بسَرْده. وقوله سبحانه: { أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ... } الآية: الـــ { مِلَّةَ }: الطريقةُ في عَقَائدِ الشَّرْعِ.