الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

عن ابن عباس قال قال رافع بن حريملة اليهودى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد، إن كنت رسولا من الله كما تقول، فقل لله يكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله هذه الآية. فالآية الكريمة معطوفة على قولهوَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً... } ومعنى الآية الكريمة. { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } علماً نافعاً أمثال هؤلاء اليهود الذين طالبوك بالمطالب المتعنتة - يا محمد - { لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ } إما مشافهة، أو بواسطة الوحى إلينا لا إليك، أو يرينا حجة تقوم على صدق رسالتك، قالوا هذا على وجه العناد والجحود أن تكون الآيات التى أقامها الله على صدق رسالته آيات حقاً. وقد رد الله عليهم بقوله { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ } أى مثل هذا القول المتعنت، قال الجاحدون من أسلافهم الذين أرسل الله إليهم الرسل ليخرجوهم من الظلمات إلى النور وفى هذه الجملة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما لاقاه من قومه مثل ما لقيه الرسل من قبله. { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } أى تشابهت قلوب هؤلاء وأولئك فى العناد والضلال. { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أى جعلناها بينة واضحة فى ذاتها لمن شأنهم الإِخلاص فى طلب الحق أينما كان، فيتجهون إليه عن طريق الأدلة الصحيحة بقلوب نقية من الأهواء موقنة بجلال الحق ووجوب الطاعة. قال الإِمام الرازى وتقرير شبهتهم أن الحكيم إذا أراد تحصيل شىء، اختار أقرب الطرق إليه، وبما أن الله قد كلم موسى وكلمك يا محمد فلم لا يكلمنا مشافهة، أو يخصك بمعجزة يتجلى من ورائها صدق نبوتك، وهذا منهم طعن فى أن القرآن معجزة، لأنهم لو أقروا بذلك لاستحال أن يقولوا ما قالوه. فأجابهم الله عن هذه الشبهة بقوله { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ } وحاصل هذا الجواب أنا قد أيدنا قول محمود بالمعجزات، وبينا صحة قوله بالقرآن وسائر الحجج، فكان طلب هذه الزوائد من باب التعنت. وعليه فلن تجاب مطالبكم لوجوه منها 1 - لو كان فى معلوم الله أنهم يؤمنون عند إنزال هذه الآيات لفعلها ولكنه علم أنه لو أعطاهم ما سألوه لازدادوا لجاجاً. 2 - أن حصول الدلالة الواحدة تمكن المكلف من الوصول إلى المطلوب، فإذا لم يكتف بها، كان طلبه من باب المعاندة. 3 - ربما كانت كثرة المعجزات وتعاقبها تقدح فى كونها معجزة لأن الخوارق متى توالت كان انخراق العادة عادة. فثبت أن عدم إسعافهم بهذه الآيات لا يقدح فى النبوة. هذا، وبعض المفسرين يرى أن المراد بـ { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } اليهود، وبعضهم يرى أن المراد بهم مشركو العرب وبعضهم يرى أن المراد بهم النصارى، ونحن نرى أن اللفظ صالح لأن يندرج تحته جميع هذه الطوائف قضاء لحق الموصول المفيد للتعميم، ولكنا نختار أن اليهود هم المقصودون قصداً أولياً من هذه الآية للأسباب الآتية 1 - الآية ضمن سلسلة طويلة من الآيات السابقة عليها واللاحقة لها، وكلها تتحدث عن بنى إسرائيل وأحوالهم وأخلاقهم.

السابقالتالي
2