الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله: { وَمَن يَدْعُ }: شرطٌ. وفي جوابِه وجهان أصحُّهما: أنه قوله " فإنما حِسابُه " وعلى هذا ففي الجملة المتقدمة وهي قولُه: { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } وجهان، أحدُهما: أنها صفةٌ لـ " إلهاً " وهو صفةٌ لازمةٌ. أي: لا يكون الإِلَهُ المَدْعُوُّ من دون اللهِ إلاَّ كذا، فليس لها مفهومٌ لفسادِ المعنى. ومثلُهوَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [الأنعام: 38] لا يُفْهم أنَّ ثَمَّ إلَهاً آخرَ مَدْعُوَّاً من دونِ اللهِ له برهان، وأن ثَمَّ طائراً يطير بغير جناحيه. الثاني: أنها جملةٌ اعتراضٍ بين الشرطِ وجوابِه. وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقولِه: " وهي صفةٌ لازمةٌ كقوله: " يَطير بجناحيه " ، جيء بها للتوكيد لا أَنْ يكونَ في الآلهة ما يجوز أَنْ يقومَ عليه بُرْهانٌ. ويجوز أَنْ يكونَ اعتراضاً بين الشرطِ والجزاءِ كقولك: " مَنْ أحسن إلى زيدٍ ـ لا أحقَّ بالإِحسان منه ـ فاللهُ مُثيبُه ".

الثاني: من الوجهين الأولين: أنَّ جوابَ الشرطِ " قولُه لا بُرْهانَ له به " كأنه فَرَّ مِنْ مفهومِ الصفةِ لِما يلزمُ مِنْ فسادِه فَوَقَعَ في شيءٍ لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةِ شعرٍ، وهو حَذْفُ فاءِ الجزاءِ من الجملةِ الاسميةِ، كقوله:
3432ـ مَنْ يَفْعَلِ الحسناتِ اللهُ يَشْكُرُها     ........................
البيت. وقد تقدَّم تخريجُ كونِ " لا برهانَ له " على الصفةِ. ولا إشكال؛ لأنها صفةٌ لازمةٌ، أو على أنها جملةٌ اعتراضٍ.

قوله: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ } الجمهور على كسرِ الهمزةِ على الاستئنافِ المُفيد للعلمِ. وقرأ الحسنُ وقتادةُ " أنه " بالفتح. وخَرَّجَه الزمخشري على أَنْ يكنَ خبر " حِسابُه " قال: ومعناه: حسابُه عدمُ الفلاحِ. والأصلُ: حسابُه أنه لا يُفلح هو، فوضع " الكافرون " في موضع الضمير، لأن مَنْ يَدْعُ في معنى الجمع وكذلك " حِسابُه أنه لا يُفلح " في معنى: حسابهم أنهم لا يُفْلحون " انتهى. ويجوزُ أَنْ يكونَ ذلك على حَذْفِ حرفِ العلةِ أي [لـ] أنَّه لا يُفْلح. وقرأ الحسن " لا يَفْلح " بفتح الياءِ واللام، مضارعَ فَلَح بمعنى أفلح، فَعَل وأَفْعَل فيه بمعنىً. والله أعلم، وهو يقول الحقَّ ويَهْدي السبيلَ.