الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }

{ وَمَا كَانَ أَسْتَغْفِرُ إِبْرٰهِيمُ لأِبِيهِ } آزر بقوله { وَٱغْفِرْ لأبِي } أي بأن توفقه للإيمان وتهديه إليه كما يلوح به تعليله بقوله:إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّالّينَ } [الشعراء: 86] والجملة استئناف لتقرير ما سبق ودفع ما يتراءى بحسب الظاهر من المخالفة، وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: لما مات أبو طالب قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله وغفر لك لا أزال استغفر لك حتى ينهاني الله تعالى فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون فأنزل الله تعالىمَا كَانَ لِلنَّبِيّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 113] الآية فقالوا: قد استغفر إبراهيم لأبيه فأنزل سبحانه { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرٰهِيمَ لأِبِيهِ }.

{ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ } وقرأ طلحة { وما استغفر } وعنه { وما يستغفر } على حكاية الحال الماضية لا أن الاستغفار سوف يقع بعد يوم القيامة كما يتوهم مما سيأتي إن شاء الله تعالى، والاستثناء مفرغ من أعم العلل أي لم يكن استغفاره عليه السلام لأبيه ناشئاً عن شيء من الأشياء إلا عن موعدة { وَعَدَهَا } أي إبراهيم عليه السلام { إِيَّـٰهُ } أي أباه بقوله:لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [الممتحنة: 4] وقوله:سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي } [مريم: 47] فالوعد كان من إبراهيم عليه السلام. ويدل على ذلك ما روي عن الحسن وحماد الرواية وابن السميقع وابن نهيك ومعاذ القارىء أنهم قرأوا { وَعَدَهَا أَبَاهُ } بالموحدة، وعد ذلك أحد الأحرف الثلاث التي صحفها ابن المقفع في القرآن مما / لا يلتفت إليه بعد قراءة غير واحد من السلف به وإن كانت شاذة.

وحاصل معنى الآية ما كان لكم الاستغفار بعد التبين واستغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنما كان عن موعدة قبل التبين، ومآله أن استغفار إبراهيم عليه السلام كان قبل التبين وينبىء عن ذلك قوله تعالى: { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أي لإبراهيم عليه السلام { أَنَّهُ } أي أن أباه { عَدُوٌّ لِلَّهِ } أي مستمر على عداوته تعالى وعدم الإيمان به وذلك بأو أوحي إليه عليه السلام أنه مصر على الكفر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ذلك التبين كان بموته كافراً وإليه ذهب قتادة، قيل: والأنسب بوصف العداوة هو الأول والأمر فيه هين. { تَبَرَّأَ مِنْهُ } أي قطع الوصلة بينه وبينه، والمراد تنزه عن الاستغفار له وتجانب كل التجانب، وفيه من المبالغة ما ليس في تركه ونظائره.

{ إِنَّ إِبْرٰهِيمَ لأوَّاهٌ } أي لكثير التأوه، وهو عند جماعة كناية عن كمال الرأفة ورقة القلب. وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم وغيرهما عن عبد الله بن شداد قال: قال رجل: يا رسول الله ما الأواه؟ قال: الخاشع المتضرع الدعَّاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7