وقوله تعالَىٰ: { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا... } الآيةَ: قال ابنُ عَبَّاس: المراد ابنا أَخْطَبَ؛ حُيَيٌّ وأَبُو يَاسِرً، أي: وأتباعهما، واختلف في سبب هذه الآيةِ، فقيل: إن حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ، وعَمَّار بْنَ يَاسِرٍ أتيا بَيْتَ المِدْرَاس، فأراد اليهودُ صرْفَهما عن دينهما، فثبتا عليه، ونزلت الآية، وقيل: إن هذه الآية تابعةٌ في المعنَىٰ لما تقدَّم من نَهْيِ اللَّه عزَّ وجلَّ عن متابعة أقوال اليهود في:{ رٰعِنَا } [البقرة:104] وغيره، وأنهم لا يودُّون أن ينزل على المؤمنين خيْرٌ، ويودُّون أن يردوهم كفاراً من بعد ما تبيَّن لهم الحق، وهو نبوءة محمَّد صلى الله عليه وسلم. * ت *: وقد جاءَتْ أحاديث صحيحةٌ في النهيِ عن الحسدِ، فمنْها حديثُ مالكٍ في الموطَّإ عن أنسٍ؛ أن رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَاد اللَّهِ إخْوَاناً، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهُجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ " وأسند أبو عمر بن عبد البَرِّ عن الزُّبَيْر، قال: قال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، حَالِقَتَا الدِّينِ، لاَ حَالِقَتَا الشَّعْرِ " انتهى من «التمهيد». والعَفْوُ: تركُ العُقُوبةِ، والصفْح: الإِعراض عن المُذْنِبِ؛ كأنَّه يولي صفحة العُنُق، قال ابنُ عَبَّاس: هذه الآية منسوخةٌ بقوله تعالَىٰ:{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [التوبة:29] الآيةَ إلى قوله: { صَـٰغِرُونَ }. وقيل: بقوله:{ ٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } [التوبة:5]، وقال قوم: ليس هذا حدَّ المنسوخِ؛ لأن هذا في نفْس الأمر كان التوقيفَ على مدَّته. * ت *: وينبغي للمؤمن أَن يتأدَّب بآداب هذه الآية، وفي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: " أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ»؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «تَحْلُمُ عَلَىٰ مَنْ جَهِلَ عَلَيْكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ " خرَّجه النسائيُّ. انتهى من «الكوكب الدرِّيِّ» لأبي العبَّاس أحمد بن سعيد التُّجِيبِيِّ. وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }: مقتضاه في هذا الموضِعِ: وَعْدٌ للمؤمنين. وقوله تعالى: { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ... } الآية: قال الطبريُّ: إِنما أمر اللَّه المؤمنين هنا بالصَّلاة والزَّكاة ليحطَّ ما تقدَّم من ميلهم إِلى قول اليهودِ:{ رَٰعِنَا } [البقرة:104]؛ لأنَّ ذلك نَهْيٌ عن نوعه، وقوله: { تَجِدُوهُ } ، أي: تجدوا ثوابه، وروى ابن المبارك في «رَقَائِقِهِ» بسنده قال: " جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي لاَ أُحِبُّ المَوْتَ؟ فَقَالَ: هَلْ لَكَ مَالٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَقَدِّمْ مَالَكَ بَيْنَ يَدَيْكَ؛ فَإِنَّ المَرْءَ مَعَ مَالِهِ، إِنْ قَدَّمَهُ، أَحَبَّ أَنْ يَلْحَقَهُ، وَإِنْ خَلَفَهُ، أَحَبَّ التَّخَلُّفَ " انتهى. وقوله تعالَىٰ: { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } خبرٌ في اللفظِ، معناه الوعْدُ والوعيدُ.