لَمَّا ذكَر المَال والأولاد أتبعه بفتنة النساء فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ }: ذكره وأر اد به الأمة، لأنه إمامهم ورأسهم { إِذَا طَلَّقْتُمُ }: أردتم أن تطلقوا { ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }: أي: وقتها وهو طهر لم تمسوها فيه { وَأَحْصُواْ }: اضبطوا { ٱلْعِدَّةَ }: للرَّجعة وغيرها { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ }: فيما أمرتم به { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ }: مساكنهم إلى انقضائها { وَلاَ يَخْرُجْنَ }: منها استبدادا، فلو اتفقا على خروجها جاز { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ }: كزنا أو إيذاء أهل الزوج { مُّبَيِّنَةٍ }: فتخرج للحد وغيره { وَتِلْكَ }: الأحكام { حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى }: النفس أو يا مطلقُ { لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ }: الطلاق { أَمْراً }: كرجعة أو استئناف فيه إشعار بالنهي عن الثلاث { فَإِذَا بَلَغْنَ }: قاربن { أَجَلَهُنَّ }: انقضاء عدتهم { فَأَمْسِكُوهُنَّ }: بالرجعة { بِمَعْرُوفٍ }: بحسن عشرة { أَوْ فَارِقُوهُنَّ }: إلى انقضائها { بِمَعْرُوفٍ }: بلا إضرار { وَأَشْهِدُواْ }: ندبا { ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }: على الرجعة أو الفراق { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ }: أيها الشهود { لِلَّهِ ذَلِكُمْ }: المذكور { يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }: من كل مكروه { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي: لا يخطر بباله، وأما ضيق رزق كثر الأتقياء فهو مع ضيقه يأتيهم كذلك وتقليله لطف بهم لتقل علائقهم { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ }: أي: حق توكله { فَهُوَ حَسْبُهُ }: كافية وأما عدم كفايته لكثير ممن يظنه متوكلا فلقصور توكله بنحو ضجره أو استباطه { إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } أي: مراده فلا يفوته { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }: أجَلاً لاَ يتعداه { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ }: أي: الحيض لكبر { مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } أي: جهلتم عدتهن، هذا بيان لحال المنزل فيه لا قيد { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } لصغرهن، فكذلك والمتوفى عنها زوجها منهما مضى حكمهما { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ }: من الكل { أَجَلُهُنَّ } أي: انقضاء عدتهن { أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }: إنما أخذوا بعمومها دون عموم " والذين يتوفون " إلى آخره لأن عموم دمع مضاف إلى جمع محلى باللام بالذات، وعموم أزواجا المستفاد من الذين بالعرض ولنصه صلى الله عليه وسلم { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ }: في أحكامه { يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }: أي: تيسير أمره في الدارين { ذَلِكَ }: المذكور { أَمْرُ ٱللَّهِ } أي: حكمه { أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ }: في احكامه { يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }: بالمضاعفة { أَسْكِنُوهُنَّ }: المطلقّات { مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم }: أي: بعض مساكنكم { مِّن وُجْدِكُمْ }: أي: وسعكم مما تيطقونه { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ }: في السكنى { لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ }: فتلجئوهن إلى الخروج { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }: دل على أن النفقة للحامل المعتدة { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ }: أولادكم بعد قطع النكاح { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ }: ليأمر بعضكم بعضا { بِمَعْرُوفٍ }: بجميل في الإرضاع وأجرته { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ }: تضايقتم في الإرضاع { فَسَتُرْضِعُ لَهُ }: أي: للأب امرأة { أُخْرَىٰ }: فلا تكره الأم { لِيُنفِقْ } على المطلّقات المرضعات { ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ } أي: ما بلغه وسعه { وَمَن قُدِرَ }: ضيق { عَلَيْهِ رِزْقُهُ }: بالإعسار { فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ }: على قدره { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً } في النفَقةِ { إِلاَّ }: بقدر { مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }: فلا تخالفوه خشية الفقر { وَكَأِيِّن }: كثيرا { مِّن قَرْيَةٍ }: أي: أهلها { عَتَتْ }: أي: تمرَّدَت { عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا } { وَ } أمر { رُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً }: بالمناقشة في الآخرة كما مر { وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً }: مُنكراً فَظِيعاً { فَذَاقَتْ وَبَالَ }: عقوبة { أَمْرِهَا }: من المعاصي { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً }: بلا ربح { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }: لئلا يصيبكم { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }: العقول السليمة { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً } مذكرا، أي: جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }: به { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ }: الجهل { إِلَى ٱلنُّورِ }: العلم { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ }: جمع لمعنى من { فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } أي: النعمة الدائمة { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ }: عددا، إما طبقات أو أقاليم بين كل طبقتين كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سكان، قال الجمهور: وهو الأصح، وقال الضحاك: بلا فتق بينها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كلها منبسط يفرق بينهما البحار ويظل جميعهم السماء، وهذا يؤيد تفسيرها بالأقاليم { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ } أي: قضاؤه في كل شيء أو وجيه { بَيْنَهُنَّ }: من السماء السابعة إلى الأرض السابعة { لِّتَعْلَمُوۤاْ }: متعلق خلق أو ينزل { أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }: فإنَّ كُلاًّ منهما يدل على كل منهما، والله تعالى أعلم بالصواب، وإ ليه المرجع والمآب.