مجيء حرف العطف في صدر هذه الآية يقتضي في علم البلاغة خصوصية لعطفها على ما قبلها ومزيد اتصالها بما قبلها فتعين إيضاح مناسبة موقعها. والظاهر أن المشركين كانوا من غرورهم يحسبون تصرفات الله كتصرفات الناس من الاندفاع إلى الانتقام عند الغضب اندفاعاً سريعاً، ويحسبون الرسل مبعوثين لإظهار الخوارق ونكاية المعارضين لهم، ويسوون بينهم وبين المشعوذين والمتحدّين بالبطولة والعجائب، فكانوا لما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وركبوا رؤوسهم ولم تصبهم بأثر ذلك مصائب من عذاب شامل أو موتان عام ازدادوا غروراً بباطلهم وإحالة لكون الرسول صلى الله عليه وسلم مرسلاً من قبل الله تعالى. وقد دلت آيات كثيرة من القرآن على هذا كقوله{ وإذْ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } الأنفال 32 وقوله{ يستعجلونك بالعذاب } الحج 47 وقوله{ فإن للذين ظلموا ذَنوباً مثلَ ذَنوب أصحابهم فلا يستعجلون } الذاريات 59 وقد بينا ذلك في سورة الأنعام وفي سورة الأنفال. وكان المؤمنون ربما تمنوا نزول العذاب بالمشركين واستبطأوا مجيء النصر للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأصحابه كما جاء في الحديث أنَّ المسلمين قالوا ألا تستنصر. وربما عجب بعضهم من أن يرزق الله المشركين وهم يكفُرون به. فلما جاءت آيات هذه السورة بقوارع التهديد للمشركين أعقبت بما يزيل شبهاتهم ويطمئن نفوس المؤمنين بما يجمَعه قوله { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليْهم أجلهم }. وهو إجمال ينبىء بأن الله جعل نظام هذا العالم على الرفق بالمخلوقات واستبقاء الأنواع إلى آجال أرادها، وجعل لهذا البقاء وسائل الإمداد بالنعم التي بها دوام الحياة، فالخيرات المُفاضة على المخلوقات في هذا العالم كثيرة، والشرور العارضة نادرة ومعظمها مسبب عن أسباب مجعولة في نظام الكون وتصرفات أهله، ومنها ما يأتي على خلاف العادة عند محل آجاله التي قدرها الله تعالى بقوله{ لكل أمة أجل } يونس 49 وقوله{ لكل أجل كتاب } الرعد 38. فهذه الجملة معطوفة على جملة{ إن الذين لا يرجون لقاءنا } يونس 7 الآية، فحيث ذكر عذابهم الذي هم آيلون إليه ناسب أن يبين لهم سبب تأخير العذاب عنهم في الدنيا لتكشف شبهة غرورهم وليعلم الذين آمنوا حكمةً من حكم تصرف الله في هذا الكون. والقرينة على اتصال هذه الجملة بجملة{ إن الذين لا يرجون لقاءنا } يونس 7 قولُه في آخر هذه { فنذَر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون }. فبينت هذه الآية أن الرفق جعله الله مستمراً على عباده غير منقطع عنهم لأنه أقام عليه نظام العالم إذْ أراد ثَبات بنائِه، وأنه لم يقدّر توازيَ الشر في هذا العالم بالخير لطفاً منه ورفقاً، فالله لطيف بعباده، وفي ذلك منة عظيمة عليهم، وأن الذين يستحقون الشر لو عُجل لهم ما استحقوه لبطل النظام الذي وضع عليه العالم.