هذه الآية وما بعدها يظهر أنها من نمط المكي، وهذا أحد الأقوال التي ذكرناها قبل، و { كلاّ } يجوز أن يكون ردّاً لأقوال قريش، ويحتمل أن يكون استفتاحاً بمنزلة " ألا " ، وهذا قول أبي حاتم واختياره، و { الفجار } الكفار، وكتابهم يراد فيه الذي فيه تحصيل أمرهم وأفعالهم، ويحتمل عندي أن يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين، أي هنالك كتبوا في الأزل، وقرأ أبو عمرو والأعرج وعيسى: { الفجار } بالإمالة و{ الأبرار } [المطففين: 18] بالفتح قاله أبو حاتم، واختلف الناس في: { سجّين } ما هو؟ فقال الجمهور: هو فعيل من السجن كسكير وشريب أي في موضع ساجن، فجاء بناء مبالغة، قال مجاهد: وذلك في صخرة تحت الأرض السابعة، وقال كعب حاكياً عن التوراة وأبيّ بن كعب: هو في شجرة سوداء هنالك، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: في بر: هنالك وقيل تحت خد إبليس، وقال عطاء الخرساني: هي الأرض السفلى، وقاله البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال عكرمة: { سجين } ، عبارة عن الخسران والهوان، كما نقول: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول، وقال قوم من اللغويين: { سجين } نونه بدل من لام هو بدل من " السجيل " وقوله تعالى: { وما أدراك ما سجين } تعظيم لأمر هذا السجين وتعجب منه، ويحتمل أن يكون تقرير استفهام، أي هذا مما لم يكن يعرفه قبل الوحي. وقوله تعالى: { كتاب مرقوم } من قال بالقول الأول في { سجين } فـ { كتاب } مرتفع عنده على خبر { إن } ، والظرف الذي هو: { لفي سجين } ملغى، ومن قال في { سجين } بالقول الثاني فـ { كتاب } مرتفع على خبر ابتداء مضمر، والتقدير هو كتاب مرقوم، ويكون هذا الكلام مفسر في السجين ما هو؟ و { مرقوم } معناه: مكتوب، رقم لهم بشر، ثم أثبته تعالى { للمكذبين } بيوم الحساب والدين بالويل، وقوله: { يومئذ } ، إشارة إلى ما يتضمنه المعنى في قوله { كتاب مرقوم } وذلك أنه يتضمن أنه يرتفع ليوم عرض وجزاء، وبهذا يتم الوعيد ويتجه معناه و " المعتدي ": الذي يتجاوز حدود الأشياء، و " الأثيم ": بناء مبالغة في آثم، وقرأ الجمهور: " تتلى " ، بالتاء، وقرأ أبو حيوة: " يتلى " ، بالياء من تحت، و " الأساطير ": جمع أسطورة وهي الحكايات التي سطرت قديماً، قيل هو جمع: أسطار، وأسطار: جمع سطر، ويروى أن هذه الآية نزلت بمكة في النضر بن الحارث بن كلدة وهو الذي كان يقول: { أساطير الأولين } ، وكان هو قد كتب بالحيرة أحاديث رستم واسبنذباذ، وكان يحدث بها أهل مكة، ويقول أنا أحسن حديثاً من محمد، فإنما يحدثكم بـ { أساطير الاولين } ، وقوله تعالى: { كلا } زجر ورد لقولهم: { أساطير الأولين } ، ثم أوجب أن ما كسبوا من الكفر والطغيان، والعتو، قد { ران على قلوبهم } ، أي غطى عليها وغلب فهم مع ذلك لا يبصرون رشداً ولا يخلص إلى قلوبهم خير، ويقال: رانت الخمر على عقل شاربها وران الغش على قلب المريض، وكذلك الموت، ومنه قول الشاعر:[الخفيف]