قوله تعالى: { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } أي مات. يقال: رَدِيَ الرجُل يَرْدَى رَدًى: إذا هلك. قال:
صرفت الهوى عنهنّ من خشية الردى
وقال أبو صالح وزيد بن أسلم: «إذا تردى»: سقط في جهنم ومنه المتردّية. ويقال: رَدِي في البئر وتردى: إذا سقط في بئر، أو تهوّر من جبل. يقال: ما أدري أين رَدِيَ؟ أي أين ذهب. و«ما»: يحتمل أن تكون جحداً أي ولا يغني عنه ماله شيئاً ويحتمل أن تكون استفهاماً معناه التوبيخ أي أيّ شيء يغني عنه إذا هلك ووقع في جهنمٰ { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } أي إن علينا أن نُبَيِّن طريق الهدى من طريق الضلالة. فالهدى: بمعنى بيان الأحكام، قاله الزجاج: أي على الله البيان، بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته قاله قتادة. وقال الفرّاء: من سلك الهدى فعلى الله سبيله لقوله:{ وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } [النحل: 9] يقول: من أراد الله فهو على السبيل القاصد. وقيل: معناه إن علينا للهدى والإضلال، فترك الإضلال كقوله:{ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } [آل عمران: 26]، و{ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [يۤس: 83]. وكما قال:{ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] وهي تقي البرد عن الفرّاء أيضاً. وقيل: أي إن علينا ثواب هداه الذي هديناه. { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } { لَلآخِرَةَ } الجنة. «والأولى» الدنيا. وكذا روى عطاء عن ابن عباس. أي الدنيا والآخرة لله تعالى. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: ثواب الدنيا والآخرة، وهو كقوله تعالى:{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [النساء: 134] فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق.