يقول تعالى ذكره: أعدّ الله لهؤلاء القوم الذين عَتَوا عن أمر ربهم ورسله عذاباً شديداً، وذلك عذاب النار الذي أعده لهم في القيامة { فاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولي الألباب } يقول تعالى ذكره: فخافوا الله، واحذروا سخطه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه يا أولي العقول، كما: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: { فاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولي الألبابِ } قال: يا أولي العقول. وقوله: { وَالَّذِينَ آمَنُوا } يقول: الذين صدّقوا الله ورسله. وقوله: { قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً } اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالذكر والرسول في هذا الموضع، فقال بعضهم: الذكر هو القرآن، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: { قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً } قال: الذكر: القرآن، والرسول: محمد صلى الله عليه وسلم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ: { قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً } قال: القرآن روح من الله، وقرأ:{ وكَذَلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنا } إلى آخر الآية، وقرأ: { قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً } قال: القرآن، وقرأ:{ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْرِ لمَّا جاءَهُمْ } قال: بالقرآن، وقرأ: { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذّكْرَ } قال: القرآن، قال: وهو الذكر، وهو الروح. وقال آخرون: الذكر: هو الرسول. والصواب من القول في ذلك أن الرسول ترجمة عن الذكر، وذلك نصب لأنه مردود عليه على البيان عنه والترجمة. فتأويل الكلام إذن: قد أنزل الله إليكم يا أولي الألباب ذِكراً من الله لكم يذكركم به، وينبهكم على حظكم من الإيمان بالله، والعمل بطاعته، رسولاً يتلو عليكم آيات الله التي أنزلها عليه { مُبَيِّنات } يقول: مبينات لمن سمعها وتدبرها أنها من عند الله. يقول تعالى ذكره: قد أنزل الله إليكم أيها الناس ذكراً رسولاً، يتلو عليكم آيات الله مبيِّنات، كي يخرج الذين صدّقوا الله ورسوله { وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ } يقول: وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه { مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ } يعني من الكفر وهي الظلمات، إلى النور: يعني إلى الإيمان. وقوله: { وَمَنْ يُؤْمِنْ باللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً } يقول: ومن يصدّق بالله ويعمل بطاعته { يُدْخِلُهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ } يقول: يُدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار { خالِدِينَ فِيها أبَداً } يقول: ماكثين مقيمين في البساتين التي تجري من تحتها الأنهار أبداً، لا يموتون، ولا يخرجون منها أبداً. وقوله: { قَدْ أحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً } يقول: قد وسع الله له في الجنات رزقاً، يعني بالرزق: ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب، وسائر ما أعدّ لأوليائه فيها، فطيبه لهم.