الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي: لا ملائكة من أهل السماء. ردّ لقول المشركين:لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } [فصلت: 14]. وهذا كقوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } [الفرقان: 20]. وقوله:وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } [الأنبياء: 8] وقوله:قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 9].

واحتج بقوله تعالى: { إِلاَّ رِجَالاً } على أنه لم ينتظم في سلك النبوّة امرأة.

والقرى: جمع قرية، وهي على ما في (القاموس): المصر الجامع. وفي (كفاية المتحفظ): القرية كل مكان اتصلت به الأبنية، واتخذ قراراً، وتقع على المدن وغيرهما. انتهى.

قال ابن كثير: والمراد بالقرى هنا المدن. أي: لا أنهم من أهل البوادي الذين هم أجفى الناس طباعاً وأخلاقاً. وهذا هو المعهود المعروف: أن أهل المدن أرقّ طباعاً، وألطف من أهل بواديهم. وأهل الريف والسواد أقرب حالاً من الذين يسكنون في البوادي. ولهذا قال تعالى:ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } الآية [التوبة: 97].

قال قتادة: إنما كانوا من أهل القرى لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمور.

وقوله تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } أي: هؤلاء المكذّبون، { فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } أي: نظر تفكّر، { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي: من الأمم المكذّبة.

كقوله تعالى:أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } الآية [الحج: 46]، فإذا استمعوا خبر ذلك، رأوا أن الله أهلك الكافرين، ونجى المؤمنين. وهذه كانت سنته تعالى في خلقه، ولهذا قال تعالى: { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي: الشرك والفواحش، وآمنوا بالله ورسله وكتبه.

قال ابن كثير: أي: وكما نجينا المؤمنين في الدنيا، كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الآخرة، وهي خير لهم من الدنيا. كقوله تعالى:إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } [غافر: 51].

{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي: تستعملون عقولكم، فتعلموا أن الآخرة خير. أو تعلموا كيف عاقبة أولئك.

ثم بيّن تعالى أن العاقبة لرسله، وأن نصره يأتيهم إذا تمادى تكذيبهم، تثبيتاً لفؤاده عليه الصلاة والسلام، فقال سبحانه:

{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ... }.