الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } الكلام فيه ما علمت خلا أنه لم يذكر هٰهنا أن لهم بهجة وسروراً كما ذكر في أهل النارلَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [هود: 106] لأن المقام مقام التحذير والإنذار، و { سُعِدُواْ } بالبناء للمفعول قراءة حمزة والكسائي وحفص، ونسبت إلى ابن مسعود وطلحة بن مصرف وابن وثاب والأعمش، وقرأ جمهور السبعة { سُعِدُواْ } بالبناء للفاعل، واختار ذلك علي بن سليمان، وكان يقول: عجباً من الكسائي كيف قرأ { سُعِدُواْ } مع علمه بالعربية، وهذا عجيب منه فإنه ما قرأ / إلا ما صح عنده ولم يقرأ بالرأي ولم يتفرد بذلك، وروي عنه أنه احتج لذلك بقولهم: مسعود، وتعقب بأنه لا حجة فيه لاحتمال أنه كان مسعود فيه، وذكر أن الفراء حكى أن هذيلاً تقول: سعده الله تعالى بمعنى أسعده، وقال الجوهري ((سعد بالكسر فهو سعيد مثل قولهم: سلم فهو سليم، وسعد فهو مسعود)) وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري: ورد سعده الله تعالى فهو مسعود وأسعده الله تعالى فهو مسعَد. وما ألطف الإشارة في ـ شقوا وسعدوا ـ على قراءة البناء للفاعل في الأول والبناء للمفعول في الثاني، فمن وجد ذلك فليحمد الله تعالى ومن لم يجد فلا يلومنّ إلا نفسه.

{ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } أي غير مقطوع عنهم ولا مخترم، ومصدره الجذ، وقد جاء جذذت وجددت بالذال المعجمة والدال كما قال ابن قتيبة، وبالمعجمة أكثر. ونصب { عَطَآءً } على المصدرية من معنى الجملة لأن قوله سبحانه: { فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يقتضي إعطاءً وإنعاماً فكأنهم قيل: يعطيهم إعطاءً وهو إما اسم مصدر هو الاعطاء أو مصدر بحذف الزوائد كقوله تعالى:أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17]، وقيل: هو نصب على الحالية من المفعول المقدر للمشيئة. أو تمييز، فإن نسبة مشيئة الخروج إلى الله تعالى تحتمل أن تكون على جهة عطاء مجذوذ، وعلى جهة عطاء غير مجذوذ فهو رافع للإبهام عن النسبة، ولعل النصب على المصدرية أولى وكأنه جيء بذلك اعتناءً ومبالغة في التأبيد ودفعاً لما يتوهم من ظاهر الاستثناء من الانقطاع، وقيل: إن ذلك لبيان أن ثواب أهل الجنة ـ وهو إما نفس الدخول أو ما هو كاللازم البين له ـ لا ينقطع فيعلم منه أن الاستثناء ليس للدلالة على الانقطاع كما في العقاب بل للدلالة على ترادف نعم ورضوان من الله تعالى؛ أو لبيان النقص من جانب المبدأ ولهذا فرق في النظم بين التأبيد من حيث تمم الأول بقوله سبحانه:إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } [هود: 107] للدلالة على أنه ينعم بعض من يعذبه ويبقى غيره كما يشاء ويختار؛ والثاني بقوله تعالى: { عَطآءً } الخ بياناً لأن إحسانه لا ينقطع، ومن الناس من تمسك بصدر الآية أنه لا يبقى في النار أحد ولم يقل بذلك في الجنة، وتقوى مطلبه ذاك بما أخرجه ابن المنذر عن الحسن قال: قال عمر: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه، وبما أخرج إسحاق بن راهويه عن أبـي هريرة قال: سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، وقرأ

السابقالتالي
2 3