{ كَذٰلِكَ } أي: مثلما أوحينا إلى موسى لأهداء قومه وإهلاك عدوه، وأوحينا إليكَ يا أكمل الرسل قصص السابقين؛ ليعتبر من هلاك عدوهم من عاداك، ويفرح من إهداء صديقهم مَن صدّقك وآمن بك؛ إذ { نَقُصُّ عَلَيْكَ } قصصهم مع كونك خالي الذهن { مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } بمدة مديدة { وَقَدْ آتَيْنَاكَ } امتناناً لك { مِن لَّدُنَّا } بلا واسطة معلم ومرشد { ذِكْراً } [طه: 99] كلاماً جامعاً يذكرك جميع ما في الكتب السالفة من الحقائق والأحكام والقصص على الوجه الأثم الأبلغ. { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } أي: عن القرآن بعد نزوله، وتشبث بغيره من الكتب المنسوخة { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } [طه: 100] أي: إثماً ثقيلاً لأخذه بالمنسوخ وترك الناسخ. بحيث يكون { خَالِدِينَ فِيهِ } فيها؛ أي: فيما يترتب عليه في ويم الجزاء من العذاب الأيدي { وَسَآءَ لَهُمْ } أي: لحامليهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المخففة للحمل لأرباب العناية { حِمْلاً } [طه: 101] ثقيلاً بوقعهم إلى النار. { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } لأخراج ما بالقوة إلى الفعل { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين { يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [طه: 102] زرق العيون سود الوجوه، وهما كنايتان عن الحسد والنفاق اللذَين هم عليهما في دار الدنيا. وإذا ظهر لهم قبائحهم الكامنة فيهم في الدنيا { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } أي: يتكلمون خيفة فيما بينهم هكذا، هذه القبائح التي ظهرت علينا من أوصافنا التي كنا عليها في دار الدنيا زماناً قليلاً، فبعضهم يقول للبعض: { إِن لَّبِثْتُمْ } أي: ما مكثتم في الدنيا { إِلاَّ عَشْراً } [طه: 103] من الليالي، وبعضهم يقلل من ذلك، وبعضهم يقلل منه أيضاً، وهم يخفون أحوالهم لئلا يطلع عليها أحد. وكيف يخفون عنا؛ إذ { نَّحْنُ أَعْلَمُ } بمقتضى حضرة علمنا { بِ } جميع { مَا يَقُولُونَ } من الأقوال المتعارضة، ولا تذكر إلا ما هو أقرب للصواب { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي: أميلهم وأقربهم إلى الصواب { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [طه: 104] واستصغارهم مدة الدنيا، إنما هو من طول يوم الجزاء. { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِاً } في ذلك اليوم أهي على قرارها وقوامها حتى يؤوى إليها أملا لا؟ { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْف } [طه: 105] أي: يسحقها سحقاً كلياً كأنه خرج عن المناخل الدقيقة، { فَيَذَرُهَا } أي: يترك الأرض بعد نسف الحبال { قَاعاً } سطحاً مستوياً { صَفْصَفاً } [طه: 106] ملساء. بحيث: { لاَّ تَرَىٰ } أيها الرائي { فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [طه: 107] نتواً وربوةً لاستوائه. { يَوْمَئِذٍ } أي: وقت نفخ الصور لاجتماع الناس إلى المحشر { يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } الذي هو إسرافيل؛ أي: يجتمعون عنده كل واحد منهم بطريق { لاَ عِوَجَ لَهُ } لاستواء الأرض، وعدم المانع من العقباب والأغوار { وَ } في ذلك اليوم { خَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } أي: خفضت وخفيت أصواتهم وقت الدعاء { لِلرَّحْمَـٰنِ } من شدة أهوال ذلك اليوم؛ بحيث إذا أصغيت إلى سماع أقوالهم { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [طه: 108] ذِكراً خفياً.