الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

{ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ } أي: سألوا هذه المسئلة، لكن لا عينها، بل مثلها في كونها محظورة ومستتبعة للوبال. وعدم التصريح بالمثل للمبالغة في التحذير { ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } أي: بسببها. حيث لم يمتثلوا ما أجيبوا به، ويفعلوه. وقد كان بنو إسرائيل يستفتون أنبياءهم عن أشياء، فإذا أُمِروا بها تركوها فهلكوا. والمعنى: احذروا مشابهتهم والتعرّض لما تعرّضوا له.

تنبيهات

الأول: روى البخاريّ في سبب نزولها في (التفسير) عن أبي الجويرية عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءًَ. فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل، تضلّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ... } [المائدة: 101] حتى فرغ من الآية كلها.

وأخرج أيضاً عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً... " قال: فغطّى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، لهم خنين. فقال رجل: مَن أبي؟ قال: " فلان " ، فنزلت هذه الآية:لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } [المائدة: 101].

وروى البخاريّ أيضاً في كتاب (الفتن) عن قتادة: أنّ أنساً حدثهم قال: سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أَحْفَوْه بالمسئلة. فصعد النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ المنبر فقال: " " لا تسألوني عن شيءٍ إلا بينت لكم ". فجعلتُ أنظر يميناً وشمالاً، فإذا كلّ رجلٍ، رأسه في ثوبه يبكي. فأنشأ رجل - كان إذا لاحى يُدْعَى إلى غير أبيه - فقال: يا نبيّ الله، من أبي؟ فقال: " أبوك حذافة ". ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبحمدّ رسولاً. نعوذ بالله من سوء الفتن.

فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت في الخير والشرّ كاليوم قط. إنه صوّرت لِيَ الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط " ".

فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } [المائدة: 101].

وفي رواية: قال قتادة يُذْكَرُ - بالبناء للمجهول - هذا الحديث... إلخ.

وروى البخاريّ أيضاً في كتاب (الاعتصام بالكتاب والسنّة) في باب ما يكره من كثرة السؤال، عن الزهريّ قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلّى الظهر. فلما سلّم قام إلى المنبر فذكر الساعة. وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم قال: " من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فوالله! لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " قال أنس: فأكثر الأنصار البكاء، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: " سلوني ". فقال أنس: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: " النار ". فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: " أبوك حذافة ". قال: ثم أكثر أن يقول: " سلوني ".

فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا.

قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده! لقد عرضت عليّ الجنة والنار آنفاً في عُرْض هذا الحائط وأنا أصلي. فلم أر كاليوم في الخير والشر " ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8