قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى } وهم اليهود، نهوا أن يتناجوا بمعصية الله ومعصية الرسول وعن الطعن في دين الله { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [الإِثم: المعصية، والعدوان: الظلم] { وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ }. قال تعالى: { وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ }. كانوا يسلمون على النبي عليه السلام وأصحابه فيقولون: السام عليكم. والسام: الموت، في قول بعضهم، وتأويله في قول بعضهم: إنكم ستسأمون، أي: تملون هذا فتدعوه. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم على حد السلام. فأتاه جبريل فقال: إنهم ليسوا يقولون ذلك على وجه التحية، فقال النبي عليه السلام لأصحابه: " إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك. أي: عليك ما قلت ". قال تعالى: { وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ } أي: هلا { يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ } من السام، أي: إن كان نبياً فسيعذبنا الله بما نقول. قال الله تعالى: { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ }. قوله: { يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } [يعني الذين أقروا بالألسنة] { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ } أي: كما صنعت اليهود من هذه النجوى التي ذكروا. قال: { وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: يوم القيامة. { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ }. تفسير الحسن أن رجلاً من المسلمين كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستخليه لحاجته، فكان الشيطان يوقع في قلوب المؤمنين الحزنَ، يقول: إن صاحبكم هذا إنما خلا برسول الله ليبغّضكم عنده، قال تعالى: { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ } ذلك، أي الذي وقع في قلوبهم، { شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ } فأراد أن يعصم المؤمنين ألا يستخلي أحد منهم بالنبي عليه السلام. وقال الكلبي في قوله تعالى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ... } إلى آخر الآية: إن المنافقين كانوا إذا غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعث سرية يتغامزون بالرجل إذا رأوه وعلموا أن له حميماً في الغزو، فيتناجون وينظرون إليه، فيقول الرجل: ما هذا إلا لشيء قد بلغهم عن حميمي، فلا يزال من ذلك في غم وحزن حتى يقدم حميمه. فأنزل الله هذه الآية.