الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } أي: من مكة إلى المدينة، { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } أي: فاختبروهن بما يغلب على ظنكم صدقهن في الإيمان { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } أي: المطلع على قلوبهن، لا أنتم، فإنه غير مقدور لكم، فحسبكم أماراته وقرائنه.

وقد روى ابن جرير عن ابن عباس قال: كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حلّفها بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حباً لله ولرسوله.

وقال مجاهد: أي: سلوهن ما جاء بهن؟ فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره، ولم يؤمِنّ، فارجعوهن إلى أزواجهن.

{ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } قال الزمخشري: أي العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو الظن الغالب بالحلف، وظهور الأمارات. وإنما سماه علماً، إيذاناً بأنه كالعلم في وجوب العمل به. { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } أي: فلا تردّوهن إلى أزواجهن المشركين، إذ لا حِلَّ بين المؤمنة والمشرك، لأن إيمانها قطع عصمتها من المشرك المعادي لله ولرسوله.

قال ابن جرير: وإنما قيل ذلك للمؤمنين. لأن العهد كان جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية، أن يردّ المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلماً، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات، فامتُحنَّ فوجدهن المسلمون مؤمنات، وصح ذلك عندهم مما ذكرنا، وأمروا أن لا يردوهن إلى المشركين، إذا علم أنهن مؤمنات، { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } أي: لانقطاع النكاح بينهنّ.

قال ابن كثير: هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين. وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك من المؤمنة. ولهذا كان أمر أبي العاص بن الربيع، زوج ابنة النبيّ صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها. وقد كانت مسلمة، وهو على دين قومه. فلما وقع في الأسارى يوم بدر، بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقة شديدة، وقال للمسلمين: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا " ، ففعلوا، فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه، فوفى بذلك، وصدقه فيما وعده، وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه. فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر، وكانت سنة اثنتين، إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان، فردها عليه بالنكاح الأول، ولم يحدث لها صداقاً. ومنهم من يقول بعد سنتين، وهو صحيح، لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين.

السابقالتالي
2