ثم خوف الكفار فقال: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } أي أهلكهم. قوله: { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } يجوز أن يكون حذف مفعوله، أي أهلك الله بُيُوتَهُمْ، وخرّبها عليهم أو يضمن معنى " دمر " معنى سخط اله عليهم بالتدمير. وقوله: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } مناسب للوجه الأخير، يعني فينظروا إلى حالهم، ويعلموا أن الدنيا فانيةً. قوله: { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } أي أمثال العاقبة المتقدمة. وقيل: أمثال العقوبة. وقيل: التدمير. وقيل: الهلكة. والأول أولى لتقدم ما يعود عليه الضمير صريحاً مع صحة معناه. فإن قيل: إذا عاد الضمير إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال؟. فالجواب: أن المراد هو العذاب الذي هو مدلول العاقبة، والألم الذي دلّت العاقبة عليه. فصل في المراد بقوله: { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } وجهان: أحدهما: أن المراد الكافرون بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ. والثَّانِي: أن المراد لهم أمثالها في الآخرة، فيكون المراد من الكافرين مَنْ تقدّم، كأنه يقول: دَمَرَ اللهُ عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها. فإن قيل: إذ كان المراد (من) الكافرين بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنهم أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة، فالأولون أهلكوا بأمور شديدة كالزَّلاَزِلِ والنِّيران والرِّيَاحِ والطُّوفَانِ، ولا كذلك قوم محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ. فالجواب: يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين، لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ عليه، وأخبارهم عنه، وإنذارهم على أنهم قتلوا وأُسِرُوا بأيدي مَنْ كانوا يَسْتَخِفُّونَهُمْ ويستضعفونهم والقتل بيد المِثل آلم من الهلاك بسبب عام. قوله: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } تقدم الكلام على نظيره { وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } والمراد بالمولى هنا الناصر. ثم ذكر ما للفريقين فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } لما بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بين حالهم في الآخرة وقال: إنه يدخل المؤمن الجنة، والكافر النار. وقد تقدم أن مِنْ في قوله: " مِنْ تَحْتِهَا " تحتمل أن تكون صلة معناه تجري تحتها، ويحتمل أن يكون المراد (أن) ماءها منها لا يجري إليها من موضع آخر، يقال: هذا نهر مَنْبَعُهُ مِنْ أَيْنَ؟ يقال: من عين كذا من تحت جبل كذا. قوله: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } أي ليس لهم هِمة إلا بطونهم وفروجهم وهم لاهون عما في غد. قيل: المؤمن في الدنيا يتزود، والكافر يتزين، والكافر يتمتع. قوله: { كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } إما حال من ضمير المصدر، أي يأكلون الأكل مشبهاً أكل الأنعام وإما نعت لمصدر أي أكلاً مثل أكل الأنعام.