{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } يعني ولوقت معلوم إذا انتهت إليه فُنيت، وهو يوم القيامة. { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ * أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } حرثوها وقلّبوها للزراعة والعمارة. { وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } فلم يؤمنوا وأهلكهم الله عزّ وجلّ. { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ } العمل { ٱلسُّوۤأَىٰ } يعني الخلّة التي تسوؤهم وهي النار. وقيل: (السّوأى) اسم لجهنّم كما أنّ (الحسنى) اسم للجنة. { أَن كَذَّبُواْ } يعني لأن كذّبوا. وقيل: تفسير (السّوأى) ما بعدها وهو قوله: { أَن كَذَّبُواْ } يعني: ثمّ كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أنْ كذَّبوا { بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } استهزءوا بها. { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ }. روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (يبلس) يكتئب. أبو يحيى عنه: يفتضح. قتادة ومقاتل والكلبيّ: بياءين، ابن زيد: المبلس الذي قد نزل به البلاء والشّرّ. الفرّاء: ينقطع كلامهم وحججهم. أبو عبيدة: يندمون، وأنشد:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا
قال نعم أعرفه وأبلسا
وقرأ السلمي { يُبْلِسُ } بفتح اللاّم، والأوّل أجود. { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ } أوثانهم التي عبدوها من دون الله ليشفعوا لهم { شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } جاحدين وعنهم متبرّين. { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ } بستان { يُحْبَرُونَ } قال ابن عبّاس: يكرمون. مجاهد وقتادة: ينعمون. أبو عبيدة: يسرّون، ومنه قيل: كلّ حبرة تتبعها عبرة. وقال العجاج:
فالحمدُ لله الذي أعطى الحبر
موالي الحقّ إن المولى شكر
أي السرور. وقال بعضهم: الحبرة في اللغة كلّ نعمة حسنة. والتّحبير: التحسين. ومنه قيل للمداد: حبر لأنّه يُحسّن به الأوراق. والعالم: حِبْر لأنّه متخلّق بأخلاق حسنة، وقال الشاعر: يحبرها الكاتب الحميري. وقيل: يحبرون يلذّذون بالسّماع. أخبرنا عبدالله بن حامد، عن حامد بن محمد بن عبدالله عن محمد بن يونس، عن روح عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } قال: السماع في الجنّة. أخبرني الحسين بن محمد بن عبدالله عن ابن شنبه، عن عمير بن مرداس عن سلمة بن شبيب عن عبد القدّوس بن الحجّاج قال: سمعت الأوزاعي يقول: { فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } قال: السّماع. وقال: إذا أخذ في السّماع لم يبق في الجنّة شجرة إلاّ وَرّدَت. وبه عن سلمة بن شبيب عن داود بن الجرّاح، العسقلاني قال: سمعت الأوزاعي يقول: ليس أحد ممّن خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل؛ فإذا أخذ في السّماع قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم.