الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ }

تقدم معنى التسبيح وهو التنزيه عن كل ما لا يليق، والأمر بالتسبيح هنا منصب على { ٱسْمَ رَبِّكَ } ، وفي آيات أخر، جاء الأمر بتسبيح الله تعالى كقوله:وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } [الإنسان: 26]. ومثل:فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [الروم: 17].

وتسبيح الرب سبحانه كقوله:سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 180]، فاختلف في هذه الآية، هل المراد تسبيح الله أو المراد تسبيح اسمه تعالى، كما هو هنا؟

ثم اختلف في المراد بتسبيح اسم الله تعالى، وجاءت مسألة الاسم والمسمى.

وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في سورة الواقعة، عند قوله تعالى:فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 74]، قوله: إن الباء هناك داخلة على المفعول كدخولها عليه في قوله:وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } [مريم: 25]، وأحال على متقدم في ذلك، وحكى كلام القرطبي أن الاسم بمعنى المسمى، واستشهد له من كلام العرب بقول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما   ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقال: لا يلزم في نظري أن الاسم بمعنى المسمى هنا، لإمكان كون المراد نفس الاسم، لأن أسماء الله ألحد فيها قوم ونزَّهها آخرون، ووصفها الله بأنها بالغة غاية الحسن، لاشتمالها على صفاته الكريمة، كما في قوله:وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180]. وقوله تعالى:أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110]. ثم قال: ولسنا نريد أن نذكر كلام المتكلمين في الاسم والمسمى هل الاسم هو المسمى أو لا؟ لأن مرادنا هنا بيان معنى الآية. 1هـ.

فتضمن كلامه رحمة الله تعالى علينا وعليه، احتمال كون المراد: تنزيه اسم الله عما ألحد فيه الملحدون، كاحتمال تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله، كما تضمن عدم لزوم كون الاسم هنا بمعنى المسمى، ولعلنا نورد مجمل بيان تلك النقاط إن شاء الله.

أما تنزيه أسماء الله فهو على عدة معانٍ.

منها: تنزيهها عن إطلاقها على الأصنام كاللات والعزى واسم الآلهة.

ومنها: تنزيهها عن اللهو بها واللعب، كالتلفظ بها في حالة تنافي الخشوع والإجلال كمن يعبث بها ويلهو، ونظيره من يلهو ويسهو عن صلاته،فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 4-5]، أو وضعها في غير مواضعها، كنقش الثوب أو الفراش الممتهن.

ومنها: تنزيهها عن المواطن غير الطاهرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه لما في من نقش محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنه: صيانة الأوراق المكتوبة من الابتذال صوناً لاسم الله.

وعلى هذا تكون هذه الآية موضحة لآية الواقعة، وأن { ٱسْمَ رَبِّكَ } واقع موقع المفعول به، وهو المراد بالتسبيح، وعلى أن المراد تسبيح الله تعالى، فقالوا: إن الاسم هو المسمى، كما قال القرطبي وغيره، وقالوا: الاسم صلة، كما في بيت لبيد المتقدم.

السابقالتالي
2