قوله تعالى { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ }. أي قرب وقت إتيان القيامة. وعبر بصيغة الماضي تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع. واقتراب القيامة المشار إليه هنا بينه جل وعلا في مواضع أخر، كقوله{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } الأنبياء 1، وقوله جل وعلا{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } القمر 1، وقوله{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } الأحزاب 63، وقوله{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } الشورى 17، وقوله جل وعلا{ أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } النجم 57-58 إلى غير ذلك من الآيات. والتعبير عن المستقبل بصيغة الماضي لتحقق وقوعه كثير في القرآن، كقوله{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } الزمر 68 الآية، وقوله{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّار } الأعراف 44 الآية، وقوله{ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ } الزمر 69-71 الآية. فكل هذه الأفعال الماضية بمعنى الاستقبال، نزل تحقق وقوعها منزلة الوقوع. وقوله تعالى { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ }. نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة. والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة. والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة، كقوله جل وعلا{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } العنكبوت 53-54، وقوله{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } الشورى 18، وقوله{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } هود 8 الآية، وقوله{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } ص 16، وقوله{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يونس 50 إلى غير ذلك من الآيات. والضمير في قوله { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } في مفسره وجهان أحدهما أنه العذاب الموعد به يوم القيامة، المفهوم من قوله { أَتَىٰ أَمْرُ }. والثاني أنه يعود إلى الله. أي لا تطلبوا من الله أن يعجل لكم العذاب. قال معناه ابن كثير. وقال القرطبي في تفسيره قال ابن عباس لما نزلت{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } القمر 1 قال الكفار إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت! فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون، فأمسكوا فانتظروا فلم يروا شيئاً، فقالوا ما نرى شيئاً! فنزلت{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } الأنبياء 1 الآية. فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة فامتدت الأيام فقالوا ما نرى شيئاً، فنزلت { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وخافوا، فنزلت { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } فاطمأنوا. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين " - وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها اهـ محل الغرض من كلام القرطبي، وهو يدل على أن المراد بقوله { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } أي لا تظنوه واقعاً الآن عن عجل، بل هو متأخر إلى وقته المحدد له عند الله تعالى.