الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا }

كلمة " إذا " يراد بها الوقت، ووقت الآخرة ليس كهذه الأوقات الدنيويّة، كما أنّ يومها وساعتها ليس كأيّام الدنيا وساعاتها المضبوطة بحركات هذا الفلك الأقصى، إذ نسبة يوم الآخرة إلى هذه الأيّام، كنسبة الروح الأعظم إلى هذه الأرواح الجزئيّة، وذلك اليوم الحقّ الذي فيه يمترون.

ومن خواصّ ذلك اليوم، أن مقداره بالقياس إلى طائفة خمسون ألف سنة:تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعارج:4] وبالقياس إلى طائفة كلمحة واحدة:وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل:77]إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } [المعارج:6 - 7].

فهذا الوقت المدلول عليه بكلمة " إذا " هنا يستوعب سائر الأوقات والأزمنة والساعات، وهو بعينه قد وقع ظرفاً لزلزلة الأرض، والأصل في الظروف الزمانيّة والمكانيّة أن تطابق مظروفاتها ولوازمها من الحركات والأجرام.

وقد بيّن في العلوم القرآنيّة والمعالم البرهانيّة، أنّ الأرض وما فيها دائمة الحركة، فقوله: إذَا زُلْزِلَت -، من قبيل قوله:يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [الأنبياء:104] فكما أنّ طيّ السماء لا يختصّ وقوعه بزمان الدنيا - بل بيوم القيامة، ولا يمكن لأحد مشاهدة ذلك إلاّ من كان من أهل النشأة الآخرة كما قال سبحانه:وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر:67] فلذلك زلزلة الأرض هذه غير مختصّة الوقوع بزمان معيّن من هذه الأزمنة، بل ظرف تحقّقها يوم الآخرة، وشاهد وجودها أهل الآخرة وأصحاب اليمين، فهي مطويّة بيمين الحقّ بالقياس إلى أصحاب اليمين.

وأمّا من كان من أصحاب الشمال وأهل الجحيم والنكال، فليسوا مفتوحي العين ولا حديدي البصر حتّى يقرؤوا الكتب السماويّة وينظروا إلى سجلّ دوراتها وطومار أوقاتها دفعة، إلاّ حرفاً بعد حرف، وكلمة غبّ كلمة، ولا يمكنهم أيضاً مشاهدة آيات الأفلاك والأنفس بالحقيقة إلاّ كمشاهدة الدوابّ والأنعام خلف أغشية حجب العزّة والجلال، وأغطية الظلمة والوبال، والبعد عن عالم النور والجمال، فتتوارد عليهم الأوضاع والتغيّرات وتتحكّم عليهم الأزمنة والاوقات.

وأمّا من قوي نظره وحدّ بصره - كما هو عند القيامة - فيطلع على جميع ما في هذا الكتاب الجامع للأكوان دفعة واحدة لا يغادر حرفاً منه، مثل من يطوي عنده السجلّ الجامع للكلمات والحروف، كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " أُوتيتُ جَوامِع الكَلِم ".

إنّما قال:وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر:67] لأنّ أصحاب الشمال وسكّان دار الظلمات، لا نصيب لهم من طيِّ السموات، لأنّهم أهل الحجاب - كما مرّ - فهكذا حال هذا الزلزال للأرض ليس ممّا يدركه كلّ أحد، لأنّه غير مختصّ الوقوع بوقت جزئيّ من أوقات الدنيا، فلا يشاهده الإنسان بمشاعر هذا الأدنى، لأنّ هذه الحواسّ التي يشترك فيها الدوابّ والأنعام مع الناس، تختصّ بمشاهدتها بما يحدث هنا من الحوادث الجزئيّة والأكوان الزمانيّة، والقيامة وأحوالها من عظام الأمور الكليّة ليست من جزئيّاتها،

السابقالتالي
2 3 4 5