الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ }

فضل سورة السجدة

فهذه يا أخواني طائفة من رموز قرآنية، ومعاني نكات ربوبية، متعلقة بسورة السجدة، أفاضها الله على قلب هذا المسكين، وهي قطرة من بحرها الزاخر، ولمعة من بدرها الزاهر، فإن هذه السورة كأكثر أخواتها مشتملة على عظايم المسائل الإلهية، التي هي غاية العلم والعرفان، وشرائف علوم النفس الآدمية التي هي أساس السلوك إلى الله العزيز المنّان، والنفس سلّم العروج إلى واجب الوجود، وصراط الوصول إلى الملك المعبود، وهي السالك والمسلك، والعارج والمعراج، بحسب درجاتها وأدوارها ومراتبها وأطوارها، وغاية مرتبتها الوصول إلى درجة النبوة، ومشاهدة الوحي الصريح والإلهام الصحيح، وتلقي المعارف كفاحاً من الملك الموحي، بالإلقاء السبّوحي.

وقد ذكر فيها كيفية الوحي والتنزيل، التي هي أشرف أجزاء علم المعاد، وعلم النبوات، ثم بيّن كيفية خلق السموات والأرض وما بينهما، التي هي خلاصة علم السماءِ والعالم، وهو أحد المسالك المقررة في علم التوحيد المشار إليه بقوله:سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصّلت:53].

ثم أشار إلى استوائه على العرش، وتدبيره الأمر من السماء إلى الأرض بإيجاده أسباب الكاينات من الحركات والاستعدادات لخلق المواليد من الحيوان والنبات، وهو معظم أبواب الحكمة الطبيعية الموجبة لمعرفة دقايق صنع الله في إيصال رحمته إلى كل موجود من الموجودات، وإحاطة علمه بكل ذرّة من الذرّات، وقد وقع في كثير من الآيات الفرقانية الحث على التأمل في هذه الصنايع، والتدبر في هذه المخلوقات العظيمة بقوله:أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } [الروم:8] ووقع أيضاً فيه المدح العظيم لمتأمليها بقوله تعالى:ٱلَّذِينَ... وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [آل عمران:191].

ثم أشار إلى الغرض الأصلي من خلقه المركّبات، وهو العروج إليه والوصول إلى باب معرفته ومجاورة مقربيه، وأشار إلى بدء وجود النفس الإنسانية التي هي الصاعدة إليه بنور العلم والهدى، العارجة إلى بابه بقدم الصبر والتقوى، بعدما أثنى على ذاته بأنه:أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة:7]، لكونه أوجدها على وجه يؤدي إلى الخير التمام وحسن النظام، وينتج وجودها وجود نوع الإنسان المهتدي بنور المعرفة إلى سبيل الله المنّان، الواصل إلى روضة الرضوان ونعيم الجنان ومجاورة الرحمن.

ثم أفاد وأفاض كيفية إرتقاء النفس إليه، وفنائها عمّا وقعت فيه من الحياة العاجلة، وأشار إلى الملك المتوفي لها عن هذه الدار الفانية المحيي إياها بإذن الله تعالى في الدار الآخرة، السائق لها بسوط " ارجعي " إلى جوار ربها.

ثم أشار إلى أقسام النفوس بحسب السعادة والشقاوة الآجلتين، وهو عمدة علم المعاد، الذي هو أجلّ معارف الإنسان، وأعظم قواعد الإيمان، بعد معرفة المبدأ الديّان، وهما أعظم دعائم الحكمة والعرفان، وأحكم أساطين العلم بأسرار القرآن.

ثم أكد بيان هذه المعارف، كما هو دأبه سبحانه بتفصيل أحوال الأشقياء والسعداء، وبيان الوعد والوعيد لزيادة الإهداء والحث على الإرتقاء من هذه الوهدة الظلماء، والمقبرة الغبراء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10