قوله تعالى: { ٱقْرَأْ } ، العامة، على سكون الهمزة، أمر من القراءة، وقرأ عاصم في رواية الأعشى: براء مفتوحة، وكأنه قلب تلك الهمزة ألفاً، كقولهم: قرأ، يقرأ، نحو: سعى، يسعى، فلما أمر منه، قيل: " اقر " بحذف الألف قياساً على حذفها من " اسع ". وهذا على حد قول زهير: [الطويل]
5253-.............................
وإلاَّ يُبْـدَ بالـظُّلْـمِ يَظْـلِـمِ
وقد تقدم تحرير هذا. قوله: { بِٱسْمِ رَبِّكَ } ، يجوز فيه أوجه: أحدها: ان تكون الباء للحال، أي: اقرأ مفتتحاً باسم ربِّك قل: بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ، قاله الزمخشريُّ. الثاني: أن الباء مزيدة، والتقدير: اقرأ باسم ربك، كقوله: [البسيط]
5254-............................
سُودُ المَحاجرِ لا يَقْرأنَ بالسُّورِ
قيل: الاسم فضلة أي اذكر ربك، قالهما أبو عبيدة. الثالث: أن الباء للاستعانة، والمفعول محذوف، تقديره: اقرأ ما يوحى إليك مستعيناً باسم ربِّك. الرابع: أنها بمعنى " عَلَى " ، أي: اقرأ على اسم ربِّك، كما في قوله تعالى:{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ } [هود: 41]، قاله الأخفش. [وقد تقدم في أول الكتاب كيف هذا الفعل على الجار والمجرور، وقدر متأخراً في " بسم الله الرحمن الرحيم " وتخريج الناس له، فأغنى عن الإعادة]. فصل قال أكثرُ المفسرين: هذه السورة أول ما نزل من القرآنِ، نزل بها جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على " حِرَاء " ، فعلمه خمس آياتٍ من هذه السورة. وقال جابر بن عبد الله: أول ما نزل:{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [المدثر: 1]. وقال أبو ميسرة الهمذاني: أول ما نزل فاتحة الكتاب. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أول ما نزل من القرآن:{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 151]. قال القرطبيُّ: " الصحيح الأول ". قالت عائشة - رضي الله عنها -: أول ما بدئ به صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة، فجاءه الملك، فقال: { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } ، خرجه البخاري. وروت عائشةُ - رضي الله عنها - أنها أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعدها " ن، والقلم " ثم بعدها{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [المدثر: 1]، ثم بعدها " والضُّحَى " ، ذكره الماوردي. ومعنى قوله: " اقْرَأ " أي: ما أنزل عليك من القرآن مفتتحاً باسم ربك وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كلِّ سورةٍ، أو اقرأ على اسم ربِّك، على ما تقدم من الإعراب. قوله: { ٱلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } ، يجوز أن يكون " خَلَقَ " الثاني تفسيراً لـ " خَلَقَ " الأول، يعني أبهمه أولاً، ثم فسره ثانياً بـ " خَلَقَ الإنْسَانَ " تفخيماً لخلق الإنسانِ، ويجوز أن يكون حذف المفعول من الأول، تقديره: خلق كلَّ شيء؛ لأنه مطلق، فيتناول كُلَّ مخلوقٍ، وقوله: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } تخصيص له بالذكر من بين ما يتناوله الخلق، لأنه المنزَّل إليه، ويجوز أن يكون تأكيداً لفظياً، فيكون قد أكد الصفة وحدها، كقولك: الذي قام قام زيد.