الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً }

قوله: { أُوحِيَ }: هذه قراءةُ العامةِ أعني كونَها مِنْ أَوْحَى رباعياً. وقرأ العَتكِيُّ عن أبي عمروٍ وابنُ أبي عبلة وأبو إياس " وُحِيَ " ثلاثياً، وهما لغتان، يقال: وحى إليه كذا، وأَوْحاه إليه بمعنى واحدٍ. وأُنْشِد للعجاج:
4346ـ وَحَى لها القرارَ فاسْتَقَرَّت   
وقرأ زيدُ بن علي والكسائيُّ في روايةٍ وابنُ أبي عبلةَ أيضاً " أُحِي " بهمزةٍ مضومة ولا واوَ بعدها. وخُرِّجَتْ على أنَّ الهمزةَ بدلٌ من الواوِ المضمومةِ نحو: " أُعِدَ " في " وُعِدَ " فهذه فَرْعُ قراءةِ " وُحِيَ " ثلاثياً. قال الزمخشري: " وهو من القَلْبِ المطلقِ جوازُه في كلِّ واوٍ مضمومةٍ، وقد أطلقَه المازنيُّ في المكسورةِ أيضاً كإشاح وإسادة و " إعَآءِ أَخِيهِ " [يوسف: 76]، قال الشيخ: " وليس كما ذَكَرَ، بل في ذلك تفصيلٌ. وذلك أنَّ الواوَ المضمومةَ قد تكونُ أولاً وحَشْواً وآخِراً، ولكلٍ منها أحكام. وفي بعضِ ذلك خلافٌ وتفصيلٌ مذكورٌ في النحو ". قلت: قد تقدَّم القولُ في ذلك مُشْبَعَاً في أولِ هذا الموضوعِ ولله الحمدُ. ثم قال الشيخ: ـ بعد أن حكى عنه ما قَدَّمْتُه عن المازني ـ " وهذا تكثيرٌ وتبجُّحٌ. وكان يَذْكُرُ ذلك في سورة يوسف عند قولهوِعَآءِ أَخِيهِ } [يوسف: 76]. وعن المازنيِّ في ذلك قولان، أحدُهما: القياسُ كما ذكر، والثاني: قَصْرُ ذلك على السَّماع ". قلت: لم يَبْرَحِ العلماءُ يَذْكرون النظيرَ مع نظيرِه، ولَمَّا ذَكَرَ قَلْبَ الهمزةِ بأطِّرادٍ عند الجميعِ ذَكَرَ قَلْبَها بخلافٍ.

قوله: { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } هذا هو القائمُ مَقَامَ الفاعل؛ لأنَّه هو المفعولُ الصريحُ، وعند الكوفيين والأخفش يجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ مَقامَه الجارَّ والمجرورَ، فيكونَ هذا باقياً على نصبِه. والتقدير: أُوْحي إليَّ استماعَ نَفَرٍ. و " مِنْ الجنِّ " صفةٌ لـ " نَفَرٌ " ووَصْفُ القرآنِ بعَجَب: إمَّا على المبالغةِ، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذا عَجَبٍ، وأمَّا بمعنى اسم الفاعلِ، أي: مُعْجِب: و " يَهْدِي " صفةٌ أخرى.