الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

قولُه تعالى: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الحمد لله الذي وسع سمعُه الأصوات. لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمته في جانب البيت وما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ... } إلى آخر الآية.

و " قَدْ " هاهنا على أصلها للتوقُّع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم والمجادلة توقعا أن يسمع الله مجادلتهما وشكواهما، ويُنزل فيهما ما عساه يكون راحة لها.

واسم المجادِلَة: خولةُ في قول عامة المفسرين؛ لكن اختلفوا في أبيها؛

فقال عكرمة وقتادة: خولة بنت ثعلبة.

وبعضهم يقول: خولة بنت مالك بن ثعلبة.

وقيل: بنت خويلد.

قال الماوردي: وليس هذا بمختلف؛ لأن أحدهما أبوها والآخر جدها.

وروى خُليد بن دعلج، عن قتادة: أنها خولة بنت حكيم.

وقيل: بنت دليج.

وقيل: هي جميلة، امرأة أوس بن الصامت.

والصحيح: أنها خولة بنت ثعلبة.

قال ابن عباس وغيره: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليّ كظهر أمي حرمت عليه، وكان أولَ من ظاهر في الإسلام أوسُ بن الصامت، ثم ندم وقال لامرأته: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه، فأتته صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، وقالت: يا رسول الله! أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمي وأحب الناس إليّ، وقد ظاهر مني، وقد نسخ الله سُنَنَ الجاهلية، فقال: ما أراكِ إلا قد حرمتِ عليه، فقالت: يا رسول الله! ما ذكر طلاقاً، فقال: ما أراك إلا قد حرمت عليه، فهتفتْ وشَكَتْ إلى الله وبَكَتْ، وجعلت تُراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: إن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فبينا هي في ذلك إذ تَرَبَّدَ وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحي عليه، فلما قضي الوحي قال: ادعي لي زوجك، فجاءا فتلا عليه: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ... } وبيّن له حكم الظهار.

وقد ذكرنا فيما مضى اشتقاق الجدل.

وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة، في قول جمهور أهل النقل.

وروى خليد بن دعلج عن قتادة: أنها خولة بنت حكيم، امرأة عبادة بن الصامت.

قال الحافظ ابن عبدالبر: هذا وهم، وخُليد ضعيفٌ سيء الحفظ، وإنما هي امرأة أوس بن الصامت، على الاختلاف في اسم أبيها.

{ وتشتكي إلى الله } يقال: اشتكى يشتكي، بمعنى: شكا يشكو.

والمحاورة: مراجعة الكلام، وأنشدوا قول عنترة في فرسه:
لو كانَ يَدري ما المحاورةُ اشتكى   ولكانَ لوْ عَلِمَ الكلامَ مُكلِّمي
وفي الحديث: أن عمر بن الخطاب خرج ومعه الناس، فمرّ بعجوز فاستوقفته، [فوقف] فجعل يحدثها وتحدثه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! حبستَ الناس على هذه العجوز، فقال: ويلك تدري من هذه، [هذه] امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، فعُمَر والله أحق أن يسمع لها، هذه خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله في حقها: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } ، والله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا للصلاة ثم أرجع إليها.