الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا }

{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } ههنا مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في المناسبة بين أول هذه السورة وآخر السورة المتقدمة وجوهاً أحدها: أنه تعالى لما قال:جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ } [البينه:8] فكأن المكلف قال: ومتى يكون ذلك يا رب فقال: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } فالعالمون كلهم يكونون في الخوف، وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك وتكون آمناً فيه، كما قال:وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ } [النمل:89] وثانيها: أنه تعالى لما ذكر في السورة المتقدمة وعيد الكافر ووعد المؤمن أراد أن يزيد في وعيد الكافر، فقال: أجازيه حين يقول الكافر السابق ذكره: ما للأرض تزلزل، نظير قوله:يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران:106] ثم ذكر الطائفتين فقال:فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ } [آل عمران: 106]وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ } [آل عمران:107] ثم جمع بينهم في آخر السورة فذكر الذرة من الخير والشر. المسألة الثانية: في قوله: { إِذَا } بحثان أحدهما: أن لقائل أن يقول: { إِذَا } للوقت فكيف وجه البداية بها في أول السورة؟ وجوابه: من وجوه الأول: كانوا يسألونه متى الساعة؟ فقال: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ } كأنه تعالى قال: لا سبيل إلى تعيينه بحسب وقته ولكني أعينه بحسب علاماته، الثاني: أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد فكأنه قيل: متى يكون ذلك؟ فقال: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ }. البحث الثاني: قالوا كلمة: { إن } في المجوز، وإذا في المقطوع به، تقول: إن دخلت الدار فأنت طالق لأن الدخول يجوز، أما إذا أردت التعليق بما يوجد قطعاً لا تقول: إن بل تقول: إذا نحو إذا جاء غد فأنت طالق لأنه يوجد لا محالة. هذا هو الأصل، فإن استعمل على خلافه فمجاز، فلما كان الزلزال مقطوعاً به قال: { إِذَا زُلْزِلَتِ }. المسألة الثالثة: قال الفراء: الزلزال بالكسر المصدر والزلزال بالفتح الاسم، وقد قرىء بهما، وكذلك الوسواس هم الاسم أي اسم الشيطان الذي يوسوس إليك، والوسواس بالكسر المصدر، والمعنى: حركت حركة شديدة، كما قال:إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } [الواقعة:4] وقال قوم: ليس المراد من زلزلت حركت، بل المراد: تحركت واضطربت، والدليل عليه أنه تعالى يخبر عنها في جميع السورة كما يخبر عن المختار القادر، ولأن هذا أدخل في التهويل كأنه تعالى يقول: إن الجماد ليضطرب لأوائل القيامة، أما آن لك أن تضطرب وتتيقظ من غفلتك ويقرب منه:لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [الحشر:21] واعلم أن زل للحركة المعتادة، وزلزل للحركة الشديدة العظيمة، لما فيه من معنى التكرير، وهو كالصرصر في الريح، ولأجل شدة هذه الحركة وصفها الله تعالى بالعظم فقال:إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ } [الحج: 1]. المسألة الرابعة: قال مجاهد: المراد من الزلزلة المذكورة في هذه الآية النفخة الأولى كقوله:

السابقالتالي
2