وقوله { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَـٰنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } قال سعيد عن ابن عباس يعني يمضي قدماً، وقال العوفي عن ابن عباس { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } يعني الأمل، يقول الإنسان أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة، ويقال هو الكفر بالحق بين يدي القيامة. وقال مجاهد { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ليمضي أمامه راكباً رأسه، وقال الحسن لا يلفي ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدماً قدماً، إلا من عصمه الله تعالى، وروي عن عكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والسدي وغير واحد من السلف هو الذي يعجل الذنوب، ويسوف التوبة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو الكافر يكذب بيوم الحساب، وكذا قال ابن زيد، وهذا هو الأظهر من المراد، ولهذا قال بعده { يَسْـئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ }؟ أي يقول متى يكون يوم القيامة؟ وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه، وتكذيب لوجوده كما قال تعالى{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَـئَخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } سبأ 29 ــــ 30. وقال تعالى ههنا { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } قرأ أبو عمرو بن العلاء برق بكسر الراء، أي حار، وهذا الذي قاله شبيه بقوله تعالى{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } إبراهيم 43 أي بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا، لا يستقر لهم بصر على شيء من شدة الرعب، وقرأ آخرون برق بالفتح، وهو قريب في المعنى من الأول، والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة، وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور. وقوله تعالى { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } أي ذهب ضوءُه { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } قال مجاهد كورا، وقرأ ابن زيد عند تفسير هذه الآية{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } التكوير 1 ــــ 2 وروي عن ابن مسعود أنه قرأ { وَجُمِعَ بين الشَّمْسُ والقَمَرُ }. وقوله تعالى { يَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة، حينئذ يريد أن يفر، ويقول أين المفر؟ أي هل من ملجأ أو موئل؟ قال الله تعالى { كَلاَّ لاَ وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف أي لا نجاة، وهذه الآية كقوله تعالى{ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } الشورى 47 أي ليس لكم مكان تتنكرون فيه، وكذا قال ههنا { لاَ وَزَرَ } أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه، ولهذا قال { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } أي المرجع والمصير.