الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

رحماء بينهم } الفتح 29، وقيل المراد بجعل الرأفة والرحمة في قلوبهم الأمر بهما والترغيب فيهما ووعد الثواب عليهما. وقوله { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم } الرهبانية من الرهبة وهي الخشية، ويطلق عرفاً على انقطاع الإنسان من الناس لعبادة الله خشيه منه، والابتداع إتيان ما لم يسبق إليه في دين أو سنة أو صنعة، وقوله { ما كتبناها عليهم } في معنى الجواب عن سؤال مقدر كأنه قيل ما معنى ابتداعهم لها؟ فقيل ما كتبناها عليهم. والمعنى أنهم ابتدعوا من عند أنفسهم رهبانية من غير أن نشرعه نحن لهم. وقوله { إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها } استثناء منقطع معناه ما فرضناها عليهم لكنهم وضعوها من عند أنفسهم ابتغاء لرضوان الله وطلباً لمرضاته فما حافظوا عليها حق محافظتها بتعديهم حدودها. وفيه إشارة إلى أنها كانت مرضية عنده تعالى وإن لم يشرّعها بل كانوا هم المبتدعين لها. وقوله { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون } إشارة إلى أنهم كالسابقين من أُمم الرسل منهم مؤمنون مأجورون على إيمانهم وكثير منهم فاسقون، والغلبة للفسق. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته } الخ، أمر الذين آمنوا بالتقوى والإيمان بالرسول مع أن الذين استجابوا الدعوة فآمنوا بالله آمنوا برسوله أيضاً دليل على أن المراد بالإيمان بالرسول الاتباع التام والطاعة الكاملة لرسوله فيما يأمر به وينهى عنه سواء كان ما يأمر به أو ينهى عنه حكماً من الأحكام الشرعية أو صادراً عنه بماله من ولاية أُمور الأُمة كما قال تعالىفلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } النساء 65. فهذا إيمان بعد إيمان ومرتبة فوق مرتبة الإيمان الذي ربما يتخلف عنه أثره فلا يترتب عليه لضعفه، وبهذا يناسب قوله { يؤتكم كفلين من رحمته } والكفل الحظ والنصيب فله ثواب على ثواب كما أنه إيمان على إيمان. وقيل المراد بإيتاء كفلين من الرحمة إيتاؤهم أجرين كمؤمني أهل الكتاب كأنه قيل يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الأجرين لأنكم مثلهم في الإيمان بالرسل المتقدمين وبخاتمهم عليهم السلام لا تفرقون بين أحد من رسله. وقوله { ويجعل لكم نوراً تمشون به } قيل يعني يوم القيامة وهو النور الذي أُشير إليه بقوله { يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم }. وفيه أنه تقييد من غير دليل بل لهم نورهم في الدنيا وهو المدلول عليه بقوله تعالىأو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } الأنعام 122، ونورهم في الآخرة وهو المدلول عليه بقوله { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } الآية 12 من السورة وغيره.

PreviousNext
1 2 4 5