الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } * { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } * { قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

قال الآلوسى " ذلك " إشارة إلى إتيان الرسل، أو السؤال المفهوم منأَلَمْ يَأْتِكُمْ } أو ما قص من أمرهم، أعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أى الأمر ذلك، أو مبتدأ خبره مقدر، أو خبره قوله - سبحانه - { أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } بخلاف اللام على أن { أَن } مصدرية، أو مخففة من أن وضمير الشأن اسمها. وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذ ذلك، أو فعلنا ذلك. وفى قوله { بِظُلْمٍ } متعلق بمهلك أى بسبب ظلم. أو بمحذوف وقع حالا من القرى أى ملتبسة بظلم.. ". والمعنى ذلك الذى ذكرناه لك يا محمد من إتيان الرسل يقصون على الأمم آيات الله، سببه أن ربك لم يكن من شأنه ولا من سننه فى تربية خلقه أن يهلك القرى من أجل أى ظلم فعلوه قبل أن ينبهوا على بطلانه، وينهوا عنه بواسطة الأنبياء والمرسلين، فربك لا يظلم، ولا يعذب أحداً وهو غافل لم ينذر قال - تعالى -وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } وقال - تعالى -وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } فالآية الكريمة صريحة فى أن - سبحانه - قد أعذر إلى الثقلين بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتبيين الآيات، وإلزام الحجةرُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } ثم بين - سبحانه - أن الدرجات إنما هى على حسب الأعمال فقال - تعالى - { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أى ولكل من المكلفين جناً كانوا أو إنساً درجات أى منازل ومراتب { مِّمَّا عَمِلُواْ } أى من أعمالهم صالحة كانت أو سيئة أو من أجل أعمالهم إذ الجزاء من جنس العمل والعمل متروك للناس يتسابقون فيه، والجزاء ينتظرهم عادلا لا ظلم فيه. { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } بل هو عالم بأعمالهم ومحصيها عليهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء. ثم صرح - سبحانه - بغناه عن كل عمل وعن كل عامل، وبأنه هو صاحب الرحمة الواسعة، والقدرة النافذة فقال { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ }. أى وربك يا محمد هو الغنى عن جميع خلقه من كل الوجوه، وهم الفقراء إليه فى جميع أحوالهم، وهو وحده صاحب الرحمة الواسعة العامة التى شملت جميع خلقه. والجملة الكريمة تفيد الحصر. وقوله وربك مبتدأ، والغنى خبره، وقوله { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } خبر بعد خبر. وجوز أن يكون هو الخبر و " الغنى " صفة لربك. وفى هذه الجملة تنبيه إلى أن ما سبق ذكره من إرسال الرسل وغيره، ليس لنفعه - سبحانه -، بل لترحمه على العباد، وتمهيد لقوله بعد ذلك.

السابقالتالي
2 3